وأجاب المنكرون للتحسين وللتقبيح. فقالوا : جميع ما ذكرتم ، يرجع حاصله إلى طلب المنفعة ودفع المضرة.
أما الحجة الأولى : وهي قوله (١) : إن الظالم ينتفع بظلمه مع أن عقله يحكم بقبح ذلك الظلم. فنقول : لو حكم الظالم بحسن الظلم فحينئذ لا يمكنه دفع ذلك الظلم عن نفسه، وحينئذ تصير روحه عرضة للقتل ، وماله عرضة للنهب فيجب عليه في رعاية مصالح(٢) نفسه وماله أن يحكم بقبح الظلم ، حتى تبقى روحه وماله محفوظين عن الهلاك والتلف.
وأما الحجة الثانية : وهي القصيدة الغراء المشتملة على شتم الملائكة والأنبياء. فجوابها : إن الحكم بحسن (٣) ذلك على خلاف مصالح العالم. وبيانه من وجهين : الأول : إنا إذا جوزنا ذلك الشتم والإساءة فحينئذ لا يبقى لأمر الله ـ تعالى ـ ونهيه وقع في القلوب. وذلك يوجب الهرج والمرج ويوثب الأراذل من الخلق على أفاضلهم. والثاني : إن أشرف الموجودات هو الله سبحانه ، وأكثرهم إنعاما على المحتاجين (٤) هو الله تعالى ، فإذا لم تكن إساءة القول فيه ممنوعا منه. فحينئذ لا يمكن التوسل بالفضائل إلى دفع المضار ، وذلك ضد مصلحة العالم.
وأما الحجة الثالثة : وهي قولهم (٥) : الكذب النافع منتفع به ، مع أن العقل يقضي بقبحه. فالجواب : إن تجويز الكذب على خلاف مصلحة العالم ، لأنا إذا جوزنا الكذب فالذي نسمعه قد تنبني عليه أغراض كثيرة في الفعل والترك. فإذا ظهر أنه كان كذبا في تلك الأحوال ، فحينئذ تضيع تلك الأعمال المبنية عليه ، ويضيق قلب ذلك الفاعل ، ويضيع عمره. وكل ذلك على ضد مصلحة العالم.
__________________
(١) دائما ينقد المؤلف القاضي عبد الجبار. ودائما يبدي إعجابه بأبي الحسين البصري.
(٢) مصالح (س).
(٣) بحسن من (م. س).
(٤) على المحتاجين (م ، س).
(٥) مرة يعبر بالمفرد ، ومرة يعبر بالجمع.