فإن قالوا : العلم (١) إنما يتعلق بالمعلوم على ما هو عليه. فلما كان الشيء في نفسه جائز الوجود ، وجب أن يتعلق ذلك العلم به ، على هذا الوجه ، فلو صار ذلك الشيء بسبب ذلك العلم واجب الوجود يلزم أن يجتمع في الشيء الواحد كونه جائزا أو واجبا. وذلك محال.
قلنا : لا نسلم أن ذلك محال ، وأي امتناع في أن يكون الشيء الواحد جائز الوجود لذاته ، وواجب الوجود ، لأجل حصول سببه ، وهو العلم والقدرة؟
الحجة الثالثة : العلم إما أن يكون قديما ، وإما أن يكون حادثا. فإن كان قديما فإما أن يكون واجبا لذاته ، أو ممكنا لذاته. فإن كان واجبا لذاته (٢) لزم استغناؤه عن المؤثر.
وذلك يقتضي نفي القادر والموجب معا ، وإن كان ممكنا لذاته ، فلا بد له من مؤثر، وذلك المؤثر يمتنع أن يكون قادرا ، وإلا لزم إيجاد الموجود وتحصيل الحاصل ، وهو محال. ولما بطل أن يكون ذلك المؤثر قادرا ، يثبت أنه يجب أن يكون موجبا. وإما إن كان العالم حادثا ، فالمؤثر إن كان موجبا فهو المطلوب.
وإن كان قادرا. فنقول : تلك القدرة ، إن كانت حادثة افتقرت إلى قدرة أخرى. ولزم التسلسل. وإن كانت قديمة كانت تلك القدرة من الأزل إلى ذلك الوقت الذي يحدث فيه ذلك الأثر متعلقة باقتضاء وجود ذلك الأثر في ذلك الوقت (٣) وباقتضاء حدوثه فيه.
واتفق المتكلمون على أن كل ما ثبت قدمه ، فإنه يمتنع عدمه. فعلى هذا ذلك التعلق المستمر من (الأزل إلى الأبد ، أعني تعلق قدرة الله تعالى باقتضاء حدوث ذلك الحادث المعين في) (٤) ذلك الوقت. أمر أزلي. والأزل يمتنع
__________________
(١) العلم (م).
(٢) لذاته (م ، ط).
(٣) الواجب (م).
(٤) من (م ، ت).