فهذه الدلائل الستة دالة على أن القول بأن مؤثر العالم موجب بالذات ، لا فاعل بالاختيار قول باطل.
وقالت الفلاسفة : أما الحجة الأولى : فضعيفة. لأنا على تقدير أن نسلم أن العالم محدث ، وأن القول بحوادث لا أول لها باطل. إلا أنا نقول لهم لم لا يجوز أن يقال : إن العلة الأولى علة ، موجبة لذاتها وجود شيء ، هو فاعل مختار. ثم إن ذلك الفاعل المختار ، أحدث هذا العالم باختياره؟ فإن بهذا (١) التقدير تكون العلة الأولى موجبة بالذات ، ويكون فاعل هذا العالم فاعلا مختارا ، فيثبت أن هذا الدليل لا يفيد أن واجب الوجود لذاته فاعل مختار. ثم نقول : لم لا يجوز أن تكون العلة الأولى موجبة بالذات ، ثم يصدر عنها المعلول في بعض الأوقات دون البعض؟ (وهو محال) (٢) فنقول : وهذا أيضا لازم في القادر ، فإن عندكم العالم صدر عن القادر المختار في بعض الأوقات دون البعض (٣) من غير مخصص البتة. فإن عقل ذلك فلم لا يعقل مثله في العلة الأولى (٤)؟
والسؤال الثالث : إن صحة وجود العالم إما أن يكون لها أول ، وإما أن لا يكون لها أول ، والأول باطل وإلّا لزم أن يقال : إن قبل ذلك الأول ما كانت الصحة الذاتية حاصلة ، فيلزم أن يقال : العالم كان ممتنعا لعينه ، ثم انقلب ممكنا لعينه. وذلك محال. ولما بطل إثبات الأول لتلك الصحة ثبت أنه لا أول لها ، فيلزم أن يقال العالم صحيح الوجود في الأزل، وإذا كان الأمر كذلك فمع هذا القول يمتنع أن يقال : إن كون العالم أزليا محال. وهذا يوجب سقوط هذه الحجة بالكلية.
وأما الحجة الثانية : فالكلام عليها : إن عين ما التزمتموه في الموجب ، فهو بعينه لازم في القادر. فإنا بينا أن القادر لا يمكن أن يرجح أحد المثلين على
__________________
(١) فإن (م).
(٢) من (م).
(٣) من (م ، س).
(٤) الأولى (س).