فسّر الصحّة بموافقة الأمر وموافقة الشريعة ، فالصحّة عند الكلّ هي واحدة ، وهي عبارة عن التمامية. إذا عرفت ذلك فيقع الكلام في أنّ الصحّة تكون من الامور الانتزاعية أو تكون من الامور الاعتبارية المجعولة أو تختلف مواردها. لا يخفى عليك أنّ الأمر الانتزاعي هو أمر لا يتغيّر واقعه بحسب الأنظار ، ولم يكن له ما بحذاء في الخارج.
إذا عرفت ذلك فنقول : إنّ الصحّة على ما هو التحقيق تكون من الامور الانتزاعية ولا تكون من مجعولات الشريعة ، ولا فرق في الصحّة عند المتكلّم ، لأنّه عند المتكلّم كما قلنا تكون الصحّة عبارة عن موافقة الأمر أو موافقة الشريعة ، وهذا المعنى يكون أمرا انتزاعيّا حيث إنّه بعد مطابقة المأتي به مع المأمور به وموافقة الأمر ينتزع عنها الصحّة ، ولم يكن واقع له إلّا بواقع منشأ انتزاعه ، ولم يكن ما بحذاء له في الخارج ، حيث إنّه سوى الأمر وموافقته لم يكن في البين وجود آخر حتى يكون هو الصحّة ، بل يصرف موافقة المأتي به مع المأمور به وموافقة الأمر ينتزع الصحّة وكذلك الصحّة بنظر الفقيه فإنّه أيضا بعد ما أتى المكلف بالمأمور به ينتزع عنه الصحّة ، وبعد الإتيان بالمأمور به تسقط الإعادة أو القضاء ولم تكن الصحّة بهذا الاعتبار أيضا أمرا مجعولا.
فظهر لك أنّ الصحّة على أي تقدير تكون أمرا منتزعا ولم تكن مجعولا ولا فرق أيضا في العبادات والمعاملات ؛ لأنّ الصحّة في المعاملات التي كان معناها ترتّب الأثر تكون أمرا انتزاعيا وتنتزع من سبب مؤثر ، فإذا وقعت المعاملة على ما هو عليه تنتزع عنها الصحّة.
وكذا لا فرق في الصحّة في الأمر الواقعي والاضطراري والظاهري ؛ لأنّ في كلّ من الثلاثة إذا وقع المأتي به بماله من الأثر ويكون بحيث يحصل الغرض ينتزع عنه الصحّة ، فإنّ المأمور به بالأمر الاضطراري إذا وقع بحيث يكون مجزيا ينتزع عنه