أنّ تعلّق النهي لا يوجب الفساد يكون موجبا للصحّة بهذا البيان.
واستدلّ أيضا أبو حنيفة لمدّعاه بأنّه بعد ما كانت ألفاظ العبادات والمعاملات موضوعة للصحيحة فإذا تعلّق النهي بهما لا بدّ أن يتعلّق بالعبادة والمعاملة الصحيحة ، فإذا يوجب تعلّق النهي بهما الصحّة ، فافهم.
قال المحقّق الخراساني رحمهالله : إنّ هذا الكلام لا يصحّ إذا تعلّق النهي بالمعاملة وكان النهي عن السبب ، لأنّه يكون قادرا على السبب ، غاية الأمر لم يكن صحيحا ، وأمّا إذا تعلّق النهي بالتسبب أو بالمسبّب فيكون كلامه في محلّه ، حيث إنّه يعتبر القدرة ولا يكون قادرا على التسبيب ، إلّا إذا كان وقع صحيحا وكذا في طرف المسبب ، فإذا نهى عنه فإن لم يكن وقوعه صحيحا فلا يمكن توجّه النهي حيث لم يكن قادرا ، وأمّا في العبادات ففي العبادات الذاتية يكون مقدورا ولو بعد تعلّق النهي ، كما إذا كان مأمورا به.
وأمّا في سائر العبادات التي تكون عباديتها لأجل قصد القربة فأيضا يكون كلام أبى حنيفة في محلّه ، لأنّه لم يكن قادرا على القول بجواز اجتماع الأمر والنهي ولو بعنوان واحد ، ولا يمكن الالتزام به. ولكن قلنا في صدر البحث : إنّ العبادة هي التي لو كان مأمورا بها تكون محتاجة الى قصد القربة ، وبهذا المعنى تكون مقدورة حيث إنّه بعد تعلّق النهي يكون قادرا عليه مع قطع النظر عن قصد القربة.
ولكن ما يقتضيه التحقيق هو أن يقال : أمّا الجواب عن استدلاله الأوّل فنقول : إنّ القدرة التي تكون معتبرة في العبادات والمعاملات هي القدرة العرفية بأن يقول العرف : يكون الشخص قادرا ، وأمّا زائدا على ذلك فلا يلزم ولا إشكال في أنّه بعد تعلق النهي يصدق عرفا أنّه يكون قادرا ، مثلا إذا نهى عن الصوم يقول العرف بكونه قادرا على وجود الصوم وعدم وجوده ، وكذا إذا نهى من البيع في وقت النداء يصدق أيضا عرفا أنّه يكون قادرا من البيع وعدمه. فعلى هذا لا يلزم بمقتضى هذا