الإلهية التي يعز الوقوف عليها كما هي. وقد قص الله علينا في هذه الآيات خبر النشأة الإنسانية على نحو ما يؤثر عن أهل الكتاب قبلنا. ومثل لنا المعاني في صور محسوسة. وأبرز لنا الحكم والأسرار بأسلوب المناظرة والحوار كما هي سنته في مخاطبة الخلق وبيان الحق. وقد ذهب الأستاذ ـ يعني الشيخ محمد عبده ـ إلى أن هذه الآيات من المتشابهات التي لا يمكن حملها على ظاهرها لأنها بحسب قانون التخاطب إما استشارة وذلك محال على الله تعالى ، وإما إخبار منه سبحانه للملائكة واعتراض منهم ومحاجة وجدال وذلك لا يليق بالله تعالى أيضا ولا بملائكته ولا يجامع ما جاء به الدين من وصفهم بأنهم : (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) [التحريم : ٦]». ومما أورده الأستاذ رشيد رضا من كلام أستاذه على سبيل تدعيم ما قاله : «إن الأمة الإسلامية أجمعت على أن الله تعالى منزه عن مشابهة المخلوقات. وقد قام البرهان العقلي والبرهان النقلي على هذه العقيدة فكانت هي الأصل المحكم في الاعتقاد الذي يجب أن يرد إليه غيره. وهو التنزيه ، فإذا جاء في نصوص القرآن أو السنة شيء ينافي ظاهره التنزيه فللمسلمين فيه طريقتان ، إحداهما طريقة السلف وهي التنزيه الذي أيد العقل فيه النقل كقوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى : ١١] وقوله : (سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ) [الصافات : ١٨٠]. وتفويض الأمر إلى الله تعالى في فهم حقيقة ذلك مع العلم بأن الله يعلمنا بمضمون كلامه ما نستفيد به في أخلاقنا وأعمالنا وأحوالنا ، ويأتينا في ذلك بما يقرب المعاني من عقولنا ويصورها لمخيلاتنا.
والثانية طريقة الخلف وهي التأويل حيث يقولون إن قواعد الدين الإسلامي وضعت على أساس العقل فلا يخرج شيء منها عن المعقول فإذا جزم العقل بشيء وورد في النقل خلافه يكون الحكم العقلي القاطع قرينة على أن النقل لا يراد به ظاهره ولا بدّ له من معنى موافق يحمل عليه فينبغي طلبه بالتأويل ، وطريقة السلف هي الأولى بالأخذ في مثل هذه الأمور».
ومما أورده من فوائد وحكم ما احتوته الآيات :
١ ـ إن الله تعالى في عظمته وجلاله يرضى لعبيده أن يسألوه عن حكمته في