العقل أن يأمروا الناس بالبر والعمل الصالح وينسون أن يفعلوا هم ذلك وهم يعرفون مدى ما في هذا من مناقضة لأنهم يقرأون الكتاب ويعلمون منه الحق والواجب.
٦ ـ ودعوة لهم إلى اتقاء غضب الله في اليوم الآخر يوم لا تجزى فيه نفس عن نفس ولا يقبل في أحد شفاعة والتماس ولا يؤخذ من أحد بدل ولا يجد أحد نصيرا له من دون الله.
وقد تضمنت الآيتان الخامسة والسادسة [٤٤ و ٤٥] وهما تأمرانهم بالاستعانة بالصبر والصلاة تقرير كون الاعتراف بالحق والتزامه وإن كان شاقا على الطبع إلّا أن ذلك ليس على الناس الخاشعين لله المعترفين له الذين يوقنون أنهم ملاقوه وراجعون إليه والمفروض أنهم منهم.
ولقد روى المفسرون (١) عن أهل التأويل بيانات توضيحية لمدى بعض الآيات. من ذلك أن النعمة التي يذكرهم الله بها هي ما كان من تنجيتهم من آل فرعون وما أغدقه الله عليهم من منح. وهذا حق وقد حكته آيات مكية عديدة وحكته آيات في السلسلة من باب التذكير والتنديد. ومن ذلك أن العهد الذي طلب منهم الوفاء فيه هو الميثاق الذي أخذه الله منهم بالاستقامة على توحيد الله والتزام أوامره ونواهيه والإيمان برسله. وهذا حق أيضا وقد حكته آيات مكية عديدة. ومن ذلك أن جملة (وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) هي في صدد ما يعلمونه من كون رسالة النبي محمد حق وهذا حق أيضا وقد حكته عنهم وعن أهل الكتاب عامة آيات مكية عديدة. ولقد تعددت أقوال المؤولين في صدد جملة (وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ) بسبب ما يبدو فيها من إشكال من حيث إن اليهود ليسوا في الواقع أول الكافرين بالقرآن وبالرسالة المحمدية ، فمن ذلك أنها بمعنى لا تكونوا أول كافر به من أهل الكتاب ، ومن ذلك أنها في مقام التنديد بهم لأنهم أولى أن يكونوا أول المؤمنين ولا يصح أن يكونوا من أول الكفار به حينما هاجر النبي إلى المدينة التي كانت مقرّ
__________________
(١) انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري والخازن والبغوي وابن كثير والطبرسي.