الإنذار والتحذير من أن يكرروا مواقف وانحرافات أولئك الآباء. ومن الممكن أن تكون نزلت بعد سابقاتها مباشرة أو بعد فترة ما فوضعت بعدها.
وعبارتها واضحة ، وقد تضمنت حكاية ما كان من رفع الله الطور فوق بني إسرائيل وأخذه عليهم الميثاق بأن يتمسكوا بما أنزل الله إليهم من وصايا وتعليمات بقوة ، ويظلوا يحافظون عليه ويذكروه حتى يتقوا غضب الله وما كان من انحرافهم عنه ، وتذكيرا بالذين احتالوا في يوم السبت واعتدوا على حرمته من أولئك الآباء وما كان من غضب الله عليهم ومسخه إياهم قردة ليكون ذلك نكالا للمنحرفين في كل وقت وعبرة وموعظة للمتقين.
وأسلوب الآيات كأسلوب ما سبقها يلهم أن اليهود المخاطبين يسمعون أمورا معروفة متداولة بينهم عن آبائهم مما فيه توثيق لقوة الإنذار والتحذير لهم.
ولقد روى الطبري عن مجاهد أن الله رفع فوقهم الطور بقصد قذفه عليهم لأنهم أبوا أن ينفذوا أمره فيدخلوا الباب سجدا ويقولوا حطة. وعن ابن عباس أن الله أنذرهم بقذف الجبل عليهم إذا لم يلتزموا بميثاقه. وروح العبارة تفيد أن الله رفع فوقهم الجبل فعلا. وهذا وارد في الآية [١٧١] من سورة الأعراف. وعبارة هذه الآية تفيد أن ذلك كان من قبيل إظهار معجزة لهم حينما أمرهم بإطاعته والتزام وصاياه وعلى كل حال فالأسلوب التذكيري الذي وردت به العبارة القرآنية يفيد أن بني إسرائيل كانوا يسمعون أمرا واضح المدى في أذهانهم وواردا في بعض قراطيسهم على ما نبهنا عليه في سياق تفسير آية سورة الأعراف.
وعدوان بني إسرائيل على السبت ومسخ المعتدين قردة مما ورد في سورة الأعراف ، وقد علقنا على ذلك بما يغني عن التكرار.
والمتبادر أن جملة (فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ) قد عنت ما كان من عفو الله عنهم وتوبته عليهم بعد انحرافهم إلى عبادة العجل في حياة موسى ولجاجهم معه مما ذكر في الآيتين [٥٢ و ٥٤] من آيات الحلقة الثانية وما كان بعد ذلك من صلاح أحوالهم واستقامة أمورهم ردحا من الزمن.