المرتدّ بسبب تأخّر نصر الله له لن يضرّ غير نفسه ؛ لأن مصيره إلى عذاب الله وسخطه.
وفي الآية معالجة روحية قوية نافذة من دون ريب في مثل الحالات التي جاءت في صددها.
هذا وإنعام النظر في هذه الآية ومداها يظهر قوة توجيه واحتمال كون الصورة التي احتوتها الآيات [١١ ـ ١٣] صورة مكية على ما قلناه قبل ، ويسوغ القول إنها بسبيل تطمين ومعالجة من تعرّض للأذى والحرمان بسبب إسلامه ، والتنديد بالذين لم يثبتوا ويصبروا فخاروا وارتدّوا.
(وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ وَأَنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (١٦)) [١٦]
وهذه الآية متصلة بالسياق والموضوع اتصال تعقيب وتنبيه كما هو المتبادر.
فالله قد أنزل آيات القرآن واضحة بيّنة ، وهو إنما يهدي بها من أراد له السعادة والهدى.
وأسلوب الآية أسلوب تسلية وتطمين ، وقد تكرر في مواضع كثيرة من القرآن في مثل هذه المواقف. وعلى ضوء الآيات العديدة التي قررت أن الله إنما يهدي من ينيب إليه ومن يستمع القول فيتبع أحسنه ، أي من حسنت نيته وصدقت رغبته في هدى الله ، ومنها آيات سورة الرعد [٢٧ ـ ٢٩] والزمر [١٨] لا يكون محل للالتباس في هذه الآية ، بسبب إطلاق الفقرة الأخيرة منها على ما نبهنا عليه في مناسبات عديدة سابقة.
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (١٧)) [١٧]
تقرّر هذه الآية أن الله هو الشهيد على كلّ شيء في حقيقة أصحاب النحل والمذاهب الموجودة من مؤمنين بالله والنبي ، ومن يهود وصابئين ونصارى