المغيرة قال : «كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم ينهى عن قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال» (١). وحديث رواه الشيخان والترمذي جاء فيه : «ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فافعلوا ما استطعتم فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم» (٢). وحديث روي عن أنس بن مالك قال : «نهينا أن نسأل رسول الله عن شيء ، فكان يعجبنا أن يأتي الرجل من أهل البادية فيسأله ونحن نسمع».
ونرى محلا للتعليق على الأحاديث والآية التي تساق الأحاديث في سياقها ، فالذي يتبادر لنا من الآية أن المنكر من السؤال هو ما فيه تمحّل وتكلف وتشكيك وتعجيز وتنطع. وليس له ضرورة من حاجة ومصلحة وعلم ودين. ويلمح هذا من الأحاديث الثلاثة الأولى. وحديث أنس إن صح وابن كثير لا يذكر سندا ومسندا له فيكون زيادة في الورع وخشية من الوقوع في نطاق ما أنكره الله على المسلمين. وبناء على ما تقدم فإن السؤال عن ما في كتاب الله وسنة رسوله من أحكام وعلم في مختلف الأمور ولا يكون فيه تمحل وتكلف وتعجيز وابتغاء فتنة ويكون فيه مصلحة عامة وخاصة مباحة لا يمكن أن يدخل في ما نهى الله ورسوله عنه. وهناك آيات كثيرة أنزلها الله وأحاديث كثيرة صدرت عن رسول الله بناء على أسئلة واستفتاءات دون أن يرافقها لوم وتثريب وإنكار مما فيه تأييد لهذه النقطة التي تبدو من تحصيل الحاصل وفي السور التي سبق تفسيرها أمثلة كثيرة ، وفي السور الآتية أمثلة كثيرة أيضا. وفي كتب الحديث أمثلة كثيرة. وقد أوردنا كثيرا من ذلك في السور السابقة وسنورد كثيرا منها في السور الآتية.
(وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١١١) بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١١٢) وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى
__________________
(١) هذا الحديث لم يورده مؤلف التاج.
(٢) أورد مؤلف التاج هذا الحديث ج ٢ ص ١٠٠.