وقد روى المفسرون (١) أن الآية الثالثة نزلت في مناسبة قدوم وفد نصارى نجران إلى المدينة للقاء النبي ومناظرته ، وأن فريقا من أحبار اليهود شهدوا مجلس المناظرة وقال الفريقان فيه في حقّ بعضهم ما ذكرته الآية. وهذه الرواية لم ترد في الصحاح.
ولم يذكر المفسرون شيئا عن مناسبة الآية الأولى. وقد تقتضي الرواية أن يكون ما حكته هذه الآية من جملة ما قاله كل من الفريقين في المجلس أيضا ، لأنه من باب واحد وإن اختلفت الصيغة.
وننبه إلى أن سلسلة طويلة من سورة آل عمران حكت مجلس مناظرة بين النبي صلىاللهعليهوسلم والنصارى ، وروى المفسرون أنهم وفد نصارى نجران. وقد جاء فيها بعض آيات يمكن أن تفيد أن مجلسا ما شهده بعض اليهود مع وفد نجران على ما سوف يأتي شرحه في سياق تفسير آيات آل عمران فلم يعد والحالة هذه محل لذكر مشاهد مناظرة نصارى نجران أو بعضها في هذه السورة ولا سيما أن قدوم هذا الوفد كان في أواسط العهد المدني. وكان اليهود قد أجلوا جميعهم تقريبا عن المدينة قبل ذلك. يضاف إلى هذا أن الآيات في مكانها وسياقها ومضمونها تبدو كأنها جزء من السلسلة الطويلة الواردة في السورة في حق اليهود في أوائل العهد المدني ، واستمرار في حملة التنديد بدسائس اليهود ومواقفهم وأقوالهم.
لذلك نحن غير مطمئنين لما روي من صلة وفد نجران بهذا الموقف. ونرجح أن الآيات هي في الدرجة الأولى في صدد مواقف اليهود وأقوالهم وأن ذكر النصارى فيها إما أن يكون بسبب قول مماثل صدر عن النصارى في موقف ما فاقتضت حكمة التنزيل ذكرهم استطرادا ، وإما أن يكون حكاية حال صادقة وهذا ما نرجحه لأن الذين تمسكوا بنصرانيتهم لا بد من أنهم كانوا يظنون أنفسهم أنهم الناجون أصحاب الجنة وأن اليهود منحرفون عن شرائعهم وليسوا على شيء من
__________________
(١) انظر تفسير الخازن وابن كثير.