(فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) [١٤٤] التي تأتي بعد قليل. وقد يكون هذا في محله من حيث الموضوعية. غير أن الآية قد جاءت في معرض الرد على دس اليهود وشغبهم ويظل مداها محتملا لسعة أفق الإسلام على ما ذكرناه آنفا فيما هو المتبادر والله أعلم.
ولقد أورد ابن كثير في سياق الآية حديثا رواه الترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «ما بين المشرق والمغرب قبلة» (١). وروى عن ابن عمر حديثا فيه توضيح وإن لم يرد في الصحاح جاء فيه : «إذا جعلت المغرب عن يمينك والمشرق عن يسارك فما بينهما قبلة إذا استقبلت القبلة» والحكمة الملموحة في الحديث الأول التوسيع على المسلمين وعدم المشقة عليهم في التحري والتدقيق. وتقرير كون الواجب عليهم هو الاتجاه نحو سمت الكعبة.
وهناك حديث رواه الخمسة عن جابر قال : «كان النبيّ يصلّي على راحلته حيث توجّهت فإذا أراد الفريضة نزل فاستقبل القبلة وفي رواية كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يسبّح على الراحلة قبل أيّ وجه توجّه ويوتر عليها غير أنه لا يصلّي عليها المكتوبة» (٢). وحديث رواه الترمذي عن ابن عمر قال : «كان النبيّ صلىاللهعليهوسلم يصلّي على راحلته تطوّعا أينما توجّهت به وهو جاء من مكة إلى المدينة ثم قرأ ابن عمر (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) وقال أنزلت في هذا» (٣). وحديث رواه أصحاب السنن عن جابر قال : «بعثني رسول الله صلىاللهعليهوسلم في حاجة فجئت وهو يصلّي على راحلته نحو المشرق والسجود أخفض من الركوع» (٤). وفي الأحاديث توسيع على المسلمين في صلواتهم التطوعية التي يصلونها على ظهور رواحلهم مستمد من سعة الأفق المنطوي في الآية. ويصح أن يقاس عليه الصلوات التطوعية في البواخر والقطارات والطيارات كما هو المتبادر والله تعالى أعلم.
__________________
(١) التاج ج ١ ص ١٣٦ وممن رووا الحديث مع الترمذي الحاكم والدار قطني.
(٢) المصدر نفسه ص ١٣٧.
(٣) التاج ج ٤ ص ٣٧.
(٤) المصدر السابق نفسه.