إبراهيم وإسماعيل بأمر الله لتكون مثابة للناس وأمنا ومكانا للطائفين والعاكفين والركع السجود مما ينطوي فيه تبرير لتحويل سمت القبلة إليها. ثم الآيات [١٤١ ـ ١٥٠] التي تذكر إنكار اليهود لتحويل القبلة وتشكيكهم المسلمين في صلواتهم وفي نبيهم. وقد قالوا لهم فيما قالوه إنه يأمرهم بشيء ثم يعدل عنه وهذا ليس من شأن الأنبياء وأن استقبال المسجد الأقصى إذا كان خطأ فيكون قد أضاع صلواتهم وإن كان صوابا فيكون في عدوله عنه إضاعة لصلواتهم أيضا (١) فجاءت الآيتان لتنددا باليهود لأنهم يمنعون الناس عن ذكر الله في مساجد الله ويسعون في خرابها والمسجد الحرام منها على اعتبار أن إهماله من المسلمين بالمرة بمثابة خرابه. ولتطمئنا المسلمين بأن الله تعالى موجود في كل مكان وليس منحصرا في اتجاه بيت المقدس. وبأن الأمر في جوهره هو عبادة الله الموجود في كل مكان. والمتبادر إذا صح هذا كما نرجو أن يكون النبي صلىاللهعليهوسلم تلا هذه الآية حينما أخبره عامر بما كان من أمرهم في الليل فالتبس الأمر عليه أو على الرواة وظنوا أنها نزلت جوابا على السؤال.
ولقد تعددت تأويلات المفسرين (٢) في جملة : (أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ) فمن ذلك أن الذين يعطلون مساجد الله هم الأحرى ألا يدخلوها إلا خائفين من بطش المسلمين. ومن ذلك أن الأحرى بهم أن يدخلوها خائفين من هيبة الله فكيف يكونون مفسدين ومخربين لها وهذا هو ما اختاره السيد رشيد رضا ، ونحن نراه الأوجه.
ومع خصوصية الآيات ففيها تلقينات سامية مستمرة المدى سواء في تقريرها حرية العبادة لله وأماكنها ، وتنديدها بمن يحول دونها ويعتدي عليها بالتخريب والتعطيل أم في تقريرها سعة أفق الدين الإسلامي واهتمامه للجوهر دون العرض.
ولقد روى الطبري عن بعض أهل التأويل أن الآية الثانية نسخت بالآية :
__________________
(١) انظر تفسير آيات سورة البقرة [١٤٢ ـ ١٥٠] في الطبري والبغوي وابن كثير والخازن.
(٢) انظر المصدر نفسه.