ورواية كونها في صدد منع قريش للنبي صلىاللهعليهوسلم والمسلمين بعيدة أيضا لأن هذا كان في السنة السادسة وبعد التنكيل باليهود وإجلائهم عن المدينة. وهذه الآيات وما قبلها وما بعدها نزلت فقط فيما كان اليهود لا يزالون موجودين في المدينة وعلى شيء من القوة والحيوية.
ومما أوردوه في صدد الآية الثانية أنها ردّ على اليهود الذين استنكروا تحويل القبلة عن المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام وقالوا إن محمدا قد ضيّع على المسلمين صلاتهم. ومن ذلك أنها نزلت في النجاشي حين توفي قبل أن يصلي إلى القبلة. ومنها أنها نزلت لتخيير المسلمين بتوجيه وجوههم في الصلاة أنى يريدون وأن ذلك كان قبل فرض التوجه نحو البيت الحرام. ومنها أنها نزلت في مناسبة صلاة بعض المسلمين في ليلة مظلمة دون تيقنهم من القبلة ومراجعتهم للنبي صلىاللهعليهوسلم في ذلك. ومعظم الروايات لم ترد في الصحاح. وهناك حديث رواه الترمذي عن عامر بن ربيعة قد يؤيد الرواية الأخيرة جاء فيه : «كنّا مع النبيّ صلىاللهعليهوسلم في سفر في ليلة مظلمة فلم ندر أين القبلة فصلّى كلّ رجل منّا على حياله. فلمّا أصبحنا ذكرنا ذلك للنبي صلىاللهعليهوسلم فنزلت : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) (١). والحديث يقتضي أن تكون الآية نزلت منفردة مع أنها منسجمة مع سابقاتها ومع السلسلة. ويتبادر لنا من سياق السلسلة أن رواية كونها للردّ على اليهود الذين استنكروا تحويل القبلة عن المسجد الأقصى قوية الاحتمال والصحة. وأن ذلك يشمل الآية الأولى أيضا. وأن الآية الأولى هي بمثابة تمهيد تنديدي وإنذاري للرد الذي احتوته الآية الثانية على اليهود وأن لهذا الرد صلة بالآية [١٠٦] من الحلقة التاسعة التي رجحنا أنها في صدد نسخ القبلة وتحويل سمتها عن المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام.
ومما يدعم توجيهنا إن شاء الله كون الآيتين غير منفصلتين عن السلسلة الطويلة التي ما فتئت تذكر دسائس اليهود وتعطيلهم وجحودهم وتندد بهم. ثم الآيات [١٢٤ ـ ١٢٩] الآتية بعد قليل والتي فيها تنويه بالكعبة وبنائها من قبل
__________________
(١) التاج ج ١ ص ١٣٧.