وتبرير التحويل وهذا ما نرجحه استئناسا بالآيات السابقة منذ آية النسخ [١٠٦] التي استلهمنا منها أنها في صدد هذا التحويل وتبريره والرد على اليهود وتسفيههم.
وإذا صحّ هذا فيسوغ أن يقال إن التبديل كان في بدئه إلهاما ربانيا غير قرآني. ولعل رواية التبديل التي تذكر أنه وقع أثناء ما كان النبي يصلي الظهر أو العصر مما قد يؤيد ذلك. وليس بين هذا القول وبين الحديث الذي رواه البخاري عن البراء والذي أوردناه سابقا تناقض فيما نرى. إذ يكون النبي صلىاللهعليهوسلم قد ألهم التبديل أثناء الصلاة ثم نزل عليه القرآن بعدها. ورواية كون جملة (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) لتطمين المسلمين هي حديث رواه البخاري أيضا عن ابن عباس وخوف المسلمين إنما كان بعد التبديل كما هو المتبادر.
وفي القرآن شواهد عديدة على أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان يلهم العمل ثم ينزل القرآن بتثبيته وتبريره. ومن الأمثلة على ذلك غزوة بدر وفي الآيات التي نزلت في هذه الغزوة جملة : (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ) الأنفال : [٧] وليس ذلك في القرآن مما سوف نزيده شرحا في سياق تفسير سورة الأنفال التي نزلت في صدد هذه الغزوة. ومن الأمثلة كذلك عزيمة النبي صلىاللهعليهوسلم على زيارة الكعبة التي انتهت بصلح الحديبية ، فإن سورة الفتح التي احتوت إشارة إلى هذه العزيمة وتبريرا لها نزلت بعد صلح الحديبية (١).
ولقد رويت أحاديث أخرى في صدد استقبال القبلة بعضها وارد في الصحاح وبعضها لم يرد. وقد رأينا من المفيد إيراد بعضها في المناسبة ، من ذلك حديث رواه البخاري والنسائي عن أنس عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «من صلّى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمّة الله وذمّة رسوله فلا تخفروا الله في ذمته» (٢). وروى الخمسة عن جابر قال : «كان النبيّ صلىاللهعليهوسلم يصلّي على راحلته حيث
__________________
(١) هناك شواهد عديدة أخرى سوف ننبه عليها في مناسباتها فاكتفينا بالشاهدين.
(٢) التاج ج ١ ص ٨١ و ١٣٥ ـ ١٣٧.