اليهود والنصارى ، وهذا ما أشارت إليه الآية الأولى (١). وكثير من الأمم غير الكتابية تمارسه أيضا ، ومما لا ريب فيه أن لهذه العبادة الرياضية الروحية إلهامات ومزايا وفضائل سواء في تعويدها الصائمين تحمّل الحرمان تحمّلا تطوعيا لا رقيب عليه ولا محاسب إلا إيمان الصائم وضميره وما في هذا من وسيلة لتصفية النفس وتقوية الروح والإرادة ومغالبة الأهواء وكبح الشهوات. أم في تذكيرها بالمحرومين وما يقاسونه من آلام العوز والحرمان وما يؤدي هذا إليه من رقة النفس وإثارة الرغبة في البرّ والخير والمعونة والإحسان. فلا غرو أن يكون من فرائض الإسلام الذي انطوت فيه الدعوة إلى كل فضيلة ومكرمة وإلى قيام الإنسان بواجباته نحو الله والناس بكل وسيلة ومناسبة ، ثم إلى كبح جماح الشهوات وتصفية النفس وإعدادها لتلقي فيض الله ومدده وروحانيته.
ولقد أثرت عن النبي صلىاللهعليهوسلم أحاديث عديدة في فضل الصيام وآدابه فيها الترغيب والبشرى والحضّ والتشجيع. منها حديث جاء فيه : «إنّ الله تبارك وتعالى فرض صيام رمضان عليكم وسننت لكم قيامه ، فمن صامه وقامه إيمانا واحتسابا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه» (٢). وحديث ثان جاء فيه : «كلّ عمل ابن آدم له إلّا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به ، والصيام جنة ، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم ، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح وإذا لقي ربّه فرح بصومه» (٣) وفي رواية : «كلّ عمل ابن آدم مضاعف الحسنة عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال الله عزوجل : إلا الصوم فإنّه لي وأنا أجزي به من يدع شهواته وطعامه لأجلي». وحديث ثالث جاء فيه : «قال أبو
__________________
(١) في أسفار العهد القديم والجديد المتداولة اليوم نصوص عديدة في ذلك. انظر الإصحاح ٢ من سفر عزرا و ٥٨ من أشعيا و ١ و ٣ من يوئيل و ٨ من زكريا و ١٧ من إنجيل متى و ٤ من لوقا و ٦ و ١١ من رسالة بولس الثانية لأهل كورنتوس.
(٢) رواه النسائي وأحمد. انظر التاج ج ٢ ص ٤٢ وكثير من أهل الملل الأخرى كانت قبل الإسلام وما زالت تمارس نوعا من الصوم كما يستفاد من مدوناتها.
(٣) رواه الخمسة التاج ج ٢ ص ٤٣.