المسلمين مع المسلمين في الحج حين نزول الآيات التي يرجح أنها نزلت قبل فتح مكة ، ومحتمل أن يكون بسبيل بيان طبائع الناس عموما من حيث أن بعضهم لا يهمه إلّا تحقيق مطالبه وتأمين منافعه في الدنيا. وقد انطوى في الآيات تنديد بهؤلاء وإنذار لهم وتطمين للآخرين الذين يرجون من الله الفضل والحسنى في الدنيا والآخرة معا ، حيث يعدهم الله بالاستجابة. ولقد روى الشيخان عن أنس قال : «كان أكثر دعاء النبيّ صلىاللهعليهوسلم : اللهمّ ربّنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار» (١). وروى مسلم والترمذي حديثا آخر عن أنس قال : «إنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم عاد رجلا من المسلمين قد خفت فصار مثل الفرخ فقال له : هل كنت تدعو بشيء أو تسأله إيّاه؟ قال : نعم ، كنت أقول اللهمّ ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجّله لي في الدنيا. فقال رسول الله : سبحانه لا تطيقه أو لا تستطيعه ، أفلا قلت اللهمّ آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. قال : فدعا الله له فشفاه» (٢). حيث ينطوي في الحديثين تعليم نبوي متساوق مع التعليم القرآني.
والجملة الدعائية القرآنية من جوامع الدعاء لأن كلمة (حسنة) مطلقة المدى تشمل كل نوع من أنواع الخير في مختلف المجالات ويتبين من هذا حكمة كونها أكثر دعاء النبي صلىاللهعليهوسلم. وفي الآية التالية لها إيذان بأن الله تعالى يحب لعباده أن يكون لهم حظّ ونصيب في الدنيا في مختلف مجالات الخير والصلاح والنجاح والقوة والنفع والمال في الدنيا بالإضافة إلى حظهم المضمون لهم وحدهم في الآخرة. وهذا انطوى تقريره في آيات كثيرة في سور سبق تفسيرها.
ويلفت النظر إلى ما في التعليم القرآني والنبوي معا من مغزى رائع ، ودلالة على ما انطوت عليه الدعوة الإسلامية من سعة الصدر والمرونة والتطابق مع مصالح البشر وطبائع الأشياء. فليس في الإسلام دعوة إلى الزهد في الدنيا والانصراف عنها مطلقا وطيباتها وخيراتها وزينتها مباحة للمسلمين ضمن حدود الاعتدال والنية
__________________
(١) التاج ج ٥ ص ١٠٩.
(٢) التاج ج ٥ ص ١٠٩.