بمكة وخلّيتم سبيلي؟ قالوا : نعم. فلما قدم على رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال له : ربح البيع ربح البيع. ونزلت الآية» (١). وهنا من يروي أنها نزلت في المهاجرين الذين تخلوا عن موطنهم وأموالهم في سبيل الله مطلقا (٢).
والروايات لم ترد في الصحاح وعلى كل حال فالآيات بسبيل المقارنة بين منافق ومخلص وموقف كل منهما. ومن المحتمل أن يكون حدث حادثان متناقضان من منافق ومخلص من نوع ما ورد في الروايات قبل نزول الآيات فنزلت لتشير إليهما منددة بالأول منوهة بالثاني.
وأسلوب الآيات مطلق حيث ينطوي فيها تلقين مستمر المدى بشأن كل من النموذجين اللذين لا ينعدمان في كل ظرف ومكان.
ووصف المنافق قوي نافذ ، وفيه جملة لاذعة ، فأمثال هذا الشخص يكون عادة أشدّ الناس ضررا أو فسادا في المجتمع الذي يكون فيه سواء أمن ناحية السلوك العام أم السلوك الخاص.
ولقد ذكر رشيد رضا أن بعضهم أوّل جملة (وَإِذا تَوَلَّى) بمعنى الولاية والحكم. وحتى لو لم يكن هذا التأويل هو المقصود فإن الآيات بإطلاقها تتحمل أن تكون الصورة التي وصفتها في فئات مختلفة من الناس من حكام وزعماء وعلماء وأفراد على اختلافهم ومشاغلهم. ويكون التنديد والإنذار الشديدين فيها والتلقين باجتناب الصفات التي وصف بها متفاوتا في الشدة حسب تفاوت المتصفين بالصفات والقدرة على الكيد والضرر والفساد.
ولقد أورد ابن كثير في سياق الآية حديثا عن عائشة ورد في التاج برواية الشيخين والترمذي جاء فيه : «قال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : إنّ أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم» (٣). وفي الحديث تنديد سيق بصفة اللدد والخصومة وإن كان مدى الجملة
__________________
(١) المصدر السابق نفسه.
(٢) المصدر السابق نفسه.
(٣) التاج ج ٥ ص ٤١.