الرسالة المحمدية يتضمن كون الله تعالى قد هدى الذين آمنوا بهذه الرسالة والقرآن إلى الحق الذي اختلف فيه الذين أوتوا الكتاب من قبلهم تتجه للمآرب الباغية التي كانت تغريهم. وبعبارة أخرى فيها تقرير بأن الرسالة المحمدية والقرآن قد جاءا ليقررا الحق والصواب فيما اختلفوا فيه وضابطين لهما. وفيهما حل للمشكلات والتعقيدات والخلافات التي ارتكسوا فيها والتي لم تكن في أصل دين الله وهداه.
وأسلوب الآية يوحي بكل طمأنينة ووثوق بما تضمنته من هذه التقريرات. ويوحي للنبي صلىاللهعليهوسلم الذي أنزلت عليه وللمؤمنين الذين آمنوا به بأنهم على هدى الله وصراطه المستقيم.
ولقد جاء مصداق ذلك في آيات عديدة منها آية سورة الفتح هذه : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً (٢٨)) وما شرحناه في سياق تفسير آيتي يونس [١٩] والروم [٣٠] المشار إليهما آنفا من ناحية ما له صلة بهذه الآية. ولم نر حاجة إلى إعادته هنا ، ويحسن بالقارىء أن يرجع إليه لتتم إحاطته بالموضوع.
ولقد أورد ابن كثير في سياق هذه الآية حديثا برواية البخاري عن عائشة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يدعو الله إذا قام في الليل يصلي فيقول : «اللهمّ ربّ جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما أختلف فيه من الحقّ بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم». وفي الحديث صورة لشدة حرص النبي صلىاللهعليهوسلم على اتباع الحق والتماسه من الله تعالى بأن يهديه إليه ويثبته عليه. وللمؤمنين أسوة حسنة في رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
وهناك حديث آخر يورده ابن كثير وقد ورد في التاج برواية الشيخين والنسائي عن أبي هريرة في صدد يوم الجمعة جاء فيه : «نحن الآخرون السابقون يوم القيامة ، بيد أنهم أوتوا الكتاب قبلنا ، وهذا ـ أي الجمعة ـ يومهم الذي فرض الله عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله له فالناس لنا فيه تبع اليهود غدا والنصارى بعد