وقال لهم ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام فاضطربوا وخافوا فأنزل الله الآية التي فيها الحكم والفرج.
والرواية ذكرت في أقدم كتب السيرة (١) وفي جميع كتب التفسير والتاريخ القديمة وهي متسقة مع فحوى الآية وروحها.
ولقد روى الطبري وغيره أنه لما نزلت الآية الأولى طمع المهاجرون في الأجر فقالوا يا رسول الله أنطمع أن تكون لنا غزوة نعطى فيها أجر المجاهدين؟ فأنزل الله الآية الثانية. وهذه الرواية لم ترد في كتب الأحاديث المعتبرة. ولسنا نراها متسقة مع فحوى الآية ومقامها ويتبادر لنا أنها نزلت مع الأولى كتعقيب عليها من جهة ودفاع عن رجال السرية من جهة أخرى. فهم إنما أقدموا على ما أقدموا عليه جهادا في سبيل الله ورجاء رحمته ورضوانه. فهم بالثناء والتنويه أحقّ من الملامة والتثريب.
ويظهر أن بعض المسلمين قد تأثروا بدعاية الكفار فاقتضت حكمة التنزيل أن تتضمن الآية الأولى ما تضمنته من تنبيه وإنذار بالإضافة إلى ما تضمنته الآية الثانية من ثناء على رجال السرية وتنويه بهم ، واتصال الآيتين موضوعيا بالآية السابقة ظاهر. وهو ما جعل الشيخ محمد عبده يرجح نزول الآيات الثلاث معا على ما ذكرناه قبل قليل.
ولقد انطوى في الجواب الذي احتوته الآية الثانية حملة شديدة على كفار قريش ورد لاذع محكم على ما أثاروه من دعاية. فهم أقل الناس حقا في اللوم والانتقاد. وتصرفاتهم الأثيمة مع المسلمين حينما كانوا في منطقة المسجد الحرام وفي أثناء الأشهر الحرم من أذى وكفر وصدّ عن سبيل الله وعن المسجد الحرام ، وفتنة المسلمين أشدّ وأكبر من القتال في الشهر الحرام الذي يثيرون بسببه الدعاية ويوجهون العيب والانتقاد إلى النبي صلىاللهعليهوسلم وأصحابه.
__________________
(١) انظر طبقات ابن سعد ج ٣ ص ٤٨ وابن هشام ج ٢ ص ٢٣٨ ـ ٢٤٠.