الأزواج إما بسائق الغضب وإما بسائق الكراهية وإما لمآرب أخرى مثل ابتزاز أموالها ومنعها من التزوج من غيره والتصرف بنفسها أو لكثرة ولادتها البنات أو إبقائها في بيته لتكون خادمة ومربية لأولادها إلخ ... يحلفون بعدم الاتصال الجنسي بأزواجهم فتصبح محرّمة عليه لا هي زوجة ولا هي مطلقة. وقد وضعت الآيتان الأمر في نصابه الحق فليس للزوج أن يتحكم بزوجته تحكما كيفيا ليشفي به غلّ نفسه أو يضمن النفع على حساب ضررها. ولا يصح للمؤلي أن يحتج باليمين الصادرة منه للإضرار والحيف : فإما أن تكون يمينا صدرت عن فورة آنية وبغير قصد وتعمد وحينئذ لا يجوز أن يمتد أثرها لأكثر من أربعة أشهر في حال كحد أقصى ، وإما أن تكون صدرت عن نية إضرار وأذى وحينئذ يجب أن ترد إلى الزوجة حريتها وأن تحمى من الأذى والضرر بالطلاق إذا لم يرعو الزوج ويعود إلى الحق والواجب وهذا الشرح المستلهم من روح الآيتين والآيتين السابقتين لهما معا يؤيد ما قلناه من الصلة والانسجام بينهما ويبرز المبدأ الجليل الذي تكرر تقريره في القرآن بأساليب متنوعة بحماية الزوجة ومنع الإضرار بها وظلمها واستغلالها.
ولقد روى المفسرون أحاديث عديدة منها ما ورد في الكتب الخمسة في تأويل الآيات ومدى تطبيق حكم الإيلاء. منها حديث رواه الشيخان والترمذي والنسائي عن أنس قال : «آلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم من نسائه فأقام في مشربة له تسعا وعشرين ليلة ثم نزل ، قالوا : يا رسول الله آليت شهرا فقال الشهر تسع وعشرون» (١). وحديث رواه البخاري جاء فيه : «كان ابن عمر يقول في الإيلاء لا يحلّ لأحد بعد الأجل إلا أن يمسك بالمعروف أو يعزم الطلاق» (١). وحديث رواه الشيخان عن ابن عباس قال : «إذا حرّم الرجل عليه امرأته فهي يمين يكفّرها ، لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة» (١). وحديث رواه الترمذي عن عائشة قالت : «آلى رسول الله من نسائه وحرّم فجعل الحرام حلالا وجعل في اليمين كفّارة» (١).
__________________
(١) التاج ج ٢ ص ٣١٦ و ٣١٧ والمقصود بالحديث الأخير أن النبي صلىاللهعليهوسلم حرّم على نفسه ما هو حلال له من نسائه ثم رجع عن هذا التحريم فاستمتع بما أحله الله له وكفّر عن يمينه. وقد أشير إلى ذلك في الآيات الأولى من سورة التحريم على ما سوف نشرحه في مناسبتها.