ولذلك سوغ الجهاد في سبيل دفع البغي والظلم. وفي هذا ما فيه من حكمة اجتماعية بليغة وتلقين جليل مستمر المدى.
وفي المحاورة بين بني إسرائيل ونبيهم التي شاءت حكمة التنزيل أن تحكيها عظة بالغة ؛ حيث تضمنت تقرير كون بسطة العلم والجسم تؤهل صاحبها للملك والقيادة أكثر من بسطة المال.
وظاهر مما تقدم أن القصة لم تكن مرادة لذاتها ولذلك اقتصرت حكمة التنزيل على الخلاصة التي احتوتها الآيات والتي استهدف بها العبرة والعظة والتمثيل.
ولقد فصلت القصة في أسفار القضاة وصموئيل الأول وصموئيل الثاني من أسفار العهد القديم المتداولة اليوم. والخلاصة القرآنية متفقة بعض الاتفاق مع ما جاء في هذه الأسفار ومتغايرة بعض التغاير أيضا. والذي نرجحه أن ما كان يتداوله اليهود ويعرفه العرب عن طريقهم هو المتسق مع الخلاصة القرآنية. وفي الأسفار التاريخية العائدة لما بعد موسى ، والمتداولة اليوم أخبار متناقضة كما يظهر من مقارنة أسفار أخبار الأيام وأسفار الملوك. فليس من مانع من أن يكون هناك أسفار ضاعت فيها ما هو المتفق مع الخلاصة القرآنية وهو ما نعتقده ونبهنا عليه في مناسبات سابقة.
وخلاصة ما ورد في الأسفار المتداولة اليوم المذكورة آنفا عن القصة أن بني إسرائيل تعرضوا بعد موسى ويوشع لعدوان من الفلسطينيين في جنوب فلسطين ، ومن الكنعانيين في شمالها ، ومن الآشوريين في العراق ، والآراميين في الشام ، والمصريين ومن دول شرق الأردن وتناحروا معهم ردحا ، وتداولت الأيام بينهم. ثم كان للفلسطينيين عليهم غلبة شديدة حتى لقد احتلوا كثيرا من بلادهم ومدنهم وأخذوا تابوتهم الذي فيه الألواح والمدونات التشريعية الربانية التي كتبها موسى على ما شرحناه في سورة الأعراف. وكانوا من قبل يقاتلون بقيادة قواد يظهرون من آن لآخر باسم قضاة فطلبوا من نبيهم صموئيل أن يقيم عليهم ملكا فأقام عليهم