اغترارا بما كان له من ملك وسلطان ، وقد قال له إبراهيم : إن ربي يحيي ويميت ، فرد الملك قائلا مغالطا : أنا أيضا أفعل مثله فأقتل من أشاء فيموت وأعفو عمن أشاء فيحيا. فعمد إبراهيم إلى حجة لا تتسع للمغالطة فقال له : إن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب. فبهت الملك الكافر أمام التحدي وعجز. وانتهت الآية بتقرير أن الله لا يهدي القوم الظالمين أي الذين غلبت عليهم صفة الظلم والانحراف.
وجمهور المفسرين (١) على أن هذه المحاججة وقعت بين إبراهيم وبين نمرود ملك بابل في سياق تمرد إبراهيم على الوثنية وإعلانه إيمانه بالله وحده وإسلامه النفس إليه ؛ وقد عزوا ذلك إلى علماء الأخبار من التابعين وتابعيهم ، وهذه القصة ككثير غيرها مما يتصل بإبراهيم غير واردة في سفر التكوين مثل جميع القصص التي وردت في القرآن في صدد مواقف إبراهيم مع أبيه وقومه ومواقفهم معه على ما نبهنا عليه في سور سبق تفسيرها. ولا يمنع هذا أن تكون وردت في أسفار كانت متداولة بين اليهود بل هذا ما نعتقده على ما شرحناه في المناسبات المماثلة السابقة وتكون القصة والحالة هذه مما يعرفه العرب السامعون.
وورود القصة بعد تقرير صفات الله وعظمته ووضوح الرشد من الغي يلهم أنها قد استهدفت التذكير والعظة وهذا هو شأن القصص القرآنية. كأنما أريد أن يقال إنه إذا كان أناس يقفون من دعوة النبي صلىاللهعليهوسلم إلى الله وحده موقف المكابرة والعناد ويعمون عن الرشد مهما أفحمتهم البينات فقد كان ممن سبقهم من يقف مثل هذا الموقف. والفقرة الأخيرة من الآية توثق هذا التوجيه بما فيها من نعي على الظالمين وتنديد بهم نعيا وتنديدا ينطويان على تقرير كون عدم إسعاد الظالمين المنحرفين عن جادة الحق وهدايتهم هو بسبب ما غلب عليهم من خبث وارتكسوا فيه من ظلم وانحراف حيث يمنعهم ذلك من الاهتداء بهدي الله ونوره. وقد تكون الفقرة منطوية في ذات الوقت على قصد التسرية عن النبي صلىاللهعليهوسلم أيضا تجاه مواقف
__________________
(١) انظر الطبري والبغوي والخازن وابن كثير والطبرسي والكشاف.