الحمار بعد هلاكه وتفتت أعضائه وعظامه. وأن الله لم يلبث أن أمر ملكا عظيما من ملوك الفرس ليرسل قومه ويعمروا بيت المقدس ففعل ، وأن ذلك قد تم أثناء موت أرميا فلما أحياه الله ورأى معجزة الحمار والزوادة ثم شاهد ما كان من تجدد عمران المدينة. وننبه على أن هذه القصة لم ترد في الأسفار وإنما الذي ورد في الأسفار بكاء أرميا ومراثيه على خراب القدس ثم سماح ملك الفرس الذي قوض مملكة بابل لمن شاء من المسبيين من الإسرائيليين بالعودة إلى القدس وتجديدها ففعلوا (١).
وعلى كل حال فرواية علماء الأخبار من الصدر الأول لهذه القصة بإسهاب استغرق في تفسير الطبري ثلاث عشرة صفحة تدل على أنها مما كان متداولا في أوساط اليهود ثم في البيئة العربية عن طريقهم في عصر النبي صلىاللهعليهوسلم. ونعتقد أن ذلك مما كان واردا في بعض القراطيس اليهودية التي لم تصل إلينا.
وفي صدد القصة نرى من واجب المسلم أن يقف عند ما اقتضت حكمة التنزيل إيراده وأن يؤمن أنه لا بد لإيرادها بالأسلوب الذي جاءت به حكمة يمكن أن يكون منها قصد التمثيل على تنوع مواقف الناس من الله تعالى. فالملك الكافر أنكر الله وقدرته واغتر حتى ظن نفسه ندّا لله وهذا الرجل سارع إلى الاعتراف بقدرة الله حينما رأى الدليل لأنه حسن النية راغب في الحق. وهكذا تتصل الآية بسابقتها وتتصل الآيتان بالسياق جميعه اتصال تذكير وتمثيل وموعظة وتسرية ، وتستحكم الحجة القرآنية على السامعين لأن ما فيها متسق مع حوادث يعرفونها.
ولقد أريد صرف هذه القصة إلى مفهوم معنوي ورمزي ، ونحن لا نطمئن إلى مثل هذا الأسلوب ولا نرى فيه طائلا. فالقصة لم تكن مجهولة كما تلهم روح الآية والروايات التي وردت في سياقها معزوة إلى تابعين وتابعي تابعين فأوردت على سبيل التذكير والتمثيل والعظة ، والله أعلم.
__________________
(١) انظر سفر الملوك الثاني في الطبعة البروتستانتية الإصحاح ٢٤ و ٢٥ وسفري نبوءة أرميا ومراثي أرميا وسفري عزرا ونحميا.