الرجل يأتي بالقنو والقنوين فيعلقه بالمسجد. وكان أهل الصفة يأكلون منه وكان أناس ممن لا يرغب في الخير يأتي أحدهم بالقنو فيه الشيص والخشف فأنزل الله الآية» (١). ويمكن أن يورد ملاحظات على بعض هذه الروايات مثل كون الآية [٢٦١] في صدد ما أنفقه عثمان وعبد الرحمن في غزوة تبوك التي كانت في أواخر حياة النبي صلىاللهعليهوسلم بينما الآيات كما يبدو مبكرة. والروايات المروية في صدد الآيات [٢٦٧ و ٢٧٢ و ٢٧٤] منطبقة على الآيات وقد تكون صحيحة ، وحديث البراء يدعم صحة الرواية المروية في نزول الآية [٢٦٧].
على أننا نلحظ من جهة أخرى أن آيات الفصل منسجمة مع بعضها وتؤلف مجموعة أو وحدة مترابطة بحيث يسوغ القول إنها نزلت دفعة واحدة. ونرجح أن فيها عودا على بدء وأنها متصلة بأول الفصل السابق الذي فيه دعوة إلى القتال والإنفاق في سبيل الله وأن الآيات التي جاءت بين هذه وتلك جاءت على سبيل الاستطراد والتمثيل والموعظة. وهو أسلوب مألوف في القرآن ولا يقتضي هذا أن تكون جميع هذه الفصول نزلت دفعة واحدة إذ من المحتمل أن تكون نزلت متتابعة أو شيئا بعد شيء ثم وضعت في ترتيب وسياق واحد للتناسب أو التقارب. ولا يمنع هذا أن يكون شيء مما ذكرته الرواية المروية في صدد الآيات [٢٦٧ و ٢٧٢ و ٢٧٤] كان يقع في ظروف نزول الآيات فاحتوت الآيات تنبيهات ومواعظ في صددها.
ولقد احتوت الآيات من بليغ التلقينات وجليل المواعظ والتوجيهات ما بلغ الذروة العليا التي لا يطاولها شيء في بابها والتي تظل عنوانا خالدا من عناوين التلقينات القرآنية الخالدة سواء أفي التنبيه والتشديد على تقبيح المن والأذى وتفضيل الكلمة الطيبة على الصدقة التي يرافقها منّ وأذى ، أم في إيجاب الإنفاق من الطيب الحلال دون الخبيث. والتنبيه على أن الله هو الذي ييسر للناس ما ينالونه من رزق ، فهو ماله وعليهم أن ينفقوا الطيب الحلال منه ، أم في الحث
__________________
(١) التاج ج ٤ ص ٦٠ ـ ٦١.