وإذا لوحظ أن القرآن قرر في هذه الآيات وأمثالها مما سبق تفسيره وما يأتي في سور أخرى أن ما في أيدي أصحاب الأموال من أموال هي أموال الله وأنه إنما جعلهم مستخلفين فيها وأنه هو الذي رزقهم بها ويسرها لهم بدا جانب آخر من روعة التلقين القرآني فيه تخفيف لوقع الإنفاق والأمر به على النفوس وإيذان للأغنياء بأنهم ليسوا إلا وكلاء على مال الله فيجب عليهم أن يطيعوا أمر صاحبه وينفقوه فيما يأمرهم به ، وبأنهم ليس لهم حقّ في المنّ على من يعطونه إياه من عباد الله وأذيتهم بسبب ذلك.
ولقد روى المفسرون في سياق آيات هذه السلسلة أحاديث نبوية عديدة فيها هي الأخرى توجيهات وتلقينات بليغة المدى متسقة مع توجيهات الآيات وتلقيناتها وتوضيح لما سكت عنه القرآن. ومن هذه الأحاديث ما ورد في الكتب الخمسة المعتبرة ومنها ما ورد في كتب ومساند أئمة آخرين. من ذلك حديث رواه الطبري في صيغ عديدة ومن طرق مختلفة في سياق الآية [٢٦٨] عن عبد الله قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إنّ للشيطان لمّة من ابن آدم وللملك لمّة ، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشرّ وتكذيب بالحقّ. وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله وليحمد الله ، ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان ثم قرأ (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٢٦٨)) (١).
ومن ذلك حديث أورده ابن كثير في صدد الآية [٢٦٣] برواية مسلم عن أبي ذرّ قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثلاثة لا يكلّمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم : المنّان بما أعطى ، والمسبل إزاره ، والمنفّق سلعته بالحلف الكاذب» (٢). وحديث آخر في صدد الآية أورده ابن كثير بإخراج ابن مردويه جاء فيه : «لا يدخل الجنّة منّان» وأورد ابن كثير في صدد الآية [٢٧٠]
__________________
(١) هذا الحديث رواه الترمذي أيضا في سياق الآية [٢٦٨] ، انظر التاج ج ٤ ص ٦١.
(٢) انظر هذا الحديث في التاج ٢ ص ٣٩ و ٤٠ وانظر هذا الحديث في التاج ج ٣ ص ٤٠.