الأسلوب في تحريم الخمر والميسر على ما ذكرناه في مناسبة سابقة في هذه السورة لأنهما كان لهما تأثير شديد ورسوخ في المجتمع.
على أن من الحق أن يقال إن آية آل عمران المذكورة هي الخطوة التشريعية الأولى. أما نواة كراهية الربا والتنفير منه فقد جاءت في القرآن المكي في آية سورة الروم هذه : (وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (٣٩)). وهكذا يتساوق التلقين القرآني المكي مع التلقين القرآني المدني في هذه المسألة كما يتساوق في سائر المسائل بالأسلوب الذي كان يتلاءم مع كل من العهدين المكي والمدني.
ولقد استهدفت الآيات التي نحن في صددها ـ بالإضافة إلى تشنيعها بالربا وتحريمه ـ بثّ روح البرّ والتسامح والتكافل بين المسلمين. فإذا ما ضاق الأمر على امرئ فاحتاج إلى ما يفرج به ضيقه وجب أن ينال حاجته من أخيه القادر برّا ورحمة وأريحية بدون عوض أو زيادة. وإذا استحق دين على امرئ وكان معسرا وجب أن ينال التسامح والإمهال برا ورحمة وأريحية بدون عوض أو زيادة كذلك ، وإذا كان إعساره شديدا وجب على الدائن أن يتنازل عن دينه صدقة لوجه الله. وفي هذا ما فيه من الروعة والجلال والتلقين المستمر المدى.
ومشهد المحتاجين والمعسرين وما يتعرضون له من إرهاق المرابين واستغلالهم وما يجرّه الربا في مثل هذه الظروف من خراب ودمار ويثيره من أحقاد وضغائن ويسببه من ذلة وهوان واضطراب وقلق من المشاهد المعروفة التي تثير دائما الآلام والاشمئزاز وتجعل وجه المجتمع الذي تقع فيه كالحا قاسيا ، وتبرر الحكمة الربانية في منع أسبابها هذا الأسلوب القوي الحاسم وتبرز قصد البرّ والرأفة والمعونة والتسامح والتصدق ، وبكلمة ثانية التكافل الاجتماعي بين المسلمين يجعل ذلك التلقين الجليل قويا جليلا بليغا.
ومما ذكره المفسرون أن الاشتغال بالربا من شأنه أن يضعف الرغبة في العمل والنشاط الاقتصادي والتجاري لأنه ربح يأتي بيسر وسهولة كالميسر. وهذا أيضا