لذلك لأنها حالة سفر وغربة قد لا يكون فيها شهود مسلمون. ولابن القيم فصول في هذا الباب أنكر فيها نسخ آية المائدة لأنها في صدد حالة تتحمل استشهاد وشهادة غير المسلمين (١). وهذا حق.
ولقد تصدى رشيد رضا لهذه المسألة وعقد فصلا طويلا لها انتهى به إلى ترجيح شهادة غير المسلمين على المسلمين إذا كان حق المسلم لا يثبت إلا بها. وقال فيما قال : إن البينة في الشرع أعمّ من الشهادة وإن كل ما يتبين به الحق بينة كالقرائن المنطقية ، وإن شهادة غير المسلم يمكن أن تدخل في معنى البينة المستدل عليه بالكتاب والسنة واللغة إذا كان يتبين بها الحق للحاكم. وفي هذا حق وسداد فيما هو المتبادر. وليس هناك فيما اطلعنا عليه أثر نبوي صحيح يمنع شهادة غير المسلم على المسلم إذا لم يكن مطعونا في أمانته وعدله. وكل ما اطلعنا عليه حديث رواه أبو داود والترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : «أن النبي صلىاللهعليهوسلم ردّ شهادة الخائن والخائنة وذي الغمر على أخيه وردّ شهادة القانع لأهل البيت وأجازها لغيرهم» وفي رواية أنه قال : «لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا زان ولا زانية» (٢).
وقد يضاف إلى هؤلاء المشهور بالفسق وقاذف المحصنات على ما جاء في آية سورة الحجرات هذه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ (٦)) وفي آيات النور هذه : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٤) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥)).
ومع ذلك فإن من الممكن استدراك أمر على ضوء آية سورة المائدة ، وهو إنه إذا كان الشهود مختارين اختيارا ومدعووين دعوة للشهادة فالأولى أن يكونوا
__________________
(١) انظر إعلام الموقعين ج ١ ص ٧٤.
(٢) التاج ج ٣ ص ٥٦. ومعنى (ذو الغمر) ذو الحقد والعداوة. والقانع هو التابع أو الخادم فلا تجوز شهادته على مستخدميه أو لهم وتجوز لغيرهم أو عليهم.