كذبوا على ربّهم ألا لعنة الله على الظالمين» (١).
ومع استغرابنا لسوق هذا الحديث في سياق الآية التي يروي الطبري عن أهل التأويل أنها في صدد الشهادة المذكورة في الآيات السابقة لأنه لا يبدو صلة ما بينه وبين الشهادة إلّا من بعيد جدا ، فإن فيه شيئا من التوضيح لما ورد في الآية من كون محاسبة الله لعباده هي على ما يبدونه مما في أنفسهم أو يخفونه من عزمات الشر وسيء النيات كما أن فيه دعما لما قلناه من أن الله تعالى إنما يغفر للمؤمنين المخلصين ويعذب الكافرين الظالمين. ومع واجب الإيمان بما يثبت عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم من مشاهد أخروية فإن من الحكمة الملموحة في الحديث تبشير المؤمنين المخلصين وإنذار الكفار الظالمين.
٢ ـ ولقد روى المفسرون عن بعض أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم وتابعيهم أن أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما نزلت الآية هلعوا من احتمال مؤاخذة الله لهم وتعذيبهم على خطرات النفس ووساوسها. وهرعوا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم قائلين : هلكنا إذا كان الله مؤاخذنا على ما نحدث به نفوسنا. وأن النبي صلىاللهعليهوسلم أمرهم بالإذعان لله وتفويض الأمر إليه ، ففعلوا فلم تلبث أن نزلت الآيتان اللتان بعدها فنسختاها.
ولقد روى المفسرون ذلك بصيغ عديدة ، ومنها صيغة رواها البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة قال : «لما نزلت (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ...) إلخ اشتد ذلك على أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم فأتوه ثم بركوا على الركب فقالوا : أي رسول الله كلّفنا من الأعمال ما نطيق ، الصلاة والصيام والجهاد والصدقة ، وقد أنزل الله عليك هذه الآية ولا نطيقها. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتاب من قبلكم سمعنا وعصينا. بل قولوا سمعا وطاعة غفرانك ربّنا وإليك المصير قالها مرتين. فلما قالها القوم وذلّت بها ألسنتهم أنزل الله الآية التالية لها فكرروها فلما فعلوا ذلك نسخ الله تلك الآية وأنزل الآية الثانية : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها ...) إلخ وقرأوها فلما قالوا (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ
__________________
(١) التاج ج ٥ (كتاب القيامة والجنة والنار ـ محاسبة الله لعباده). كنفه عليه : ستره ولطفه.