أبو بكر : لقد علمت أنه سيكون» (١). ولم تخرج روايات المفسرين الآخرين عن هذا (٢) ورواية الطبرسي عن مجاهد تقتضي أن تكون الآية الأولى نزلت لحدتها وقد توقف الطبري في ذلك وتوقفه في محلّه ، لأن الآية الأولى هي كما يبدو استهلال أو مقدمة لما بعدها.
ومضمون الآيات والروايات معا قد يسوغ القول إن الآيات مدنيّة. ومع أنها لا تحتوي الإذن بالقتال.
والآية الأولى صريحة في أن المسلمين كانوا يقاتلون ، في حين أننا لم نطلع على رواية ما تذكر أنه كان عدوان حربي جماعي من مشركي قريش على المسلمين حينما كانوا في مكة ، أو أنهم بدأوا بحركات هجومية على المسلمين بعد خروجهم من مكة. فإما أن تكون الآية عنت بهذا التعبير ما كان ينال ضعفاء المسلمين في مكة من عدوان وأذى فردي يصل أحيانا إلى إزهاق الروح ، وإما أن يكون المشركون قد اعتدوا على فريق من المسلمين عدوانا حربيا بعد الهجرة لم يرد بيانه في الروايات. وفي هذه السورة آية تنوّه بالذين هاجروا في سبيل الله ثم ماتوا أو قتلوا. واحتمال مدنية الآية وتبكير نزولها قويان ، فمن المحتمل بالتبعية أن تكون قد تضمنت إشارة ما إلى مثل ذلك العدوان.
وإذا صحّ ترجيحنا بأن هذه الآيات مدنية فتكون قد وضعت في السياق الذي وضعت فيه بمثابة استطراد آخر لذكر مواقف الكفار بعد الهجرة بمناسبة ذكر مواقفهم قبلها.
ومع ما قلناه من ترجيح مدنية الآيات ، فإنّ من المحتمل أن تكون مكية تبعا لاحتمال مكية السورة جميعها. وفي هذه الحالة يكون ما احتوته من تقرير مظلومية المسلمين في ما يقع عليهم من أذى الكفار لهم ومدافعة الله عنهم ، هو تقرير تطميني وتثبيتي لهم معا ، وتكون الإشارة إلى إخراجهم من ديارهم عنت هجرتهم
__________________
(١) التاج ج ٤ ص ١٦١.
(٢) انظر تفسير ابن كثير والبغوي والخازن والزمخشري والطبرسي.