والمتبادر أنه قد استهدف بالتعبير تثبيت الذين أسلموا من العرب وتدعيم الرسالة المحمدية إزاء العرب بوجه عام. فالملّة التي يدعو إليها النبي صلىاللهعليهوسلم واعتنقها من اعتنقها منهم هي الملّة الصحيحة الصادقة لإبراهيم الذي ينتسبون إليه بالأبوة ويعزون إليه تقاليدهم. فهم أولى الناس بها. وهذا المعنى هو الذي استهدفته الآيات المكيّة التي احتوت ذكر إبراهيم وملّته وقصصه التي لم ترد في سفر التكوين المتداول على ما نبّهنا إليه في مناسبات عديدة سابقة.
ومع خصوصية الآيتين الزمنية على ضوء هذه الشروح وصلتها بالسياق السابق فإنهما احتوتا بأسلوبهما القويّ ومضامينهما الواعظة المنبّهة المنوّهة تلقينات خطيرة تظلّ مستمرّة التلقين والفيض والمدد والنفحات للمسلمين عامة والعرب خاصة بحيث يمكن أن يقال إنها قد جعلت للعرب المسلمين في المجتمع الإسلامي شأنا خاصا وحملتهم مهمة كبرى ونبّهتهم إلى أن الله قد اجتباهم وجعلهم وسطا وعدولا وهداة ليرشدوا الناس ويهدوهم بهدى دينه الذي ارتضاه لهم والذي رشّحه ليكون دين الإنسانية عامة. وهذا المعنى مندمج في آية سورة الزخرف هذه : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ (٤٤)) على ما شرحناه في سياق تفسيرها. وجملة (وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ) تنطوي على تقرير ما حمّله الله تعالى للمسلمين عامة والعرب خاصة من مهمة الجهاد وبذل الجهود في سبيل نشر دين الله والدفاع عنه حيث يزيد هذا في سعة التلقين وخطورته. وجملة (وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) خطيرة في مقامها حيث تأمر المسلمين والعرب بأن يعتصموا بالله ويجعلوا اعتمادهم عليه في أداء هذه المهمة الخطيرة وتبثّ فيهم الثقة والأمل في نصره لهم فيها.
ولقد أورد ابن كثير حديثا في سياق الآية [١٢٣] من سورة الأنعام رواه الإمام أحمد عن سلمان وليس فيه ما يمنع صحّة صدوره عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «قال لي رسول الله صلىاللهعليهوسلم : يا سلمان لا تبغضني أفتفارق دينك. قلت يا رسول الله كيف أبغضك وبك هدانا الله قال تبغض العرب فتبغضني». وفي الحديث توكيد لشأن