المجاورة ، وإلى أرض كنعان حيث يقيم نبيّ الله يعقوب وأبناؤه الأسباط.
فقال يعقوب لبنيه : يا بنيّ إن الجدب عمّنا والقحط يكاد يأتي علينا ، فاقصدوا هذا العزيز ، وأحضروا من عنده القمح والطعام ، واتركوا عندي أخاكم بنيامين أتعزّى ببقائه عن فراقكم ، فرحل أبناء يعقوب إلى مصر ، قاصدين مقابلة العزيز.
واستأذن الحاجب على يوسف ، فقال إن بالباب عشرة رجال تتشابه وجوههم ، وكأنهم غرباء عن هذه الديار يستأذنون في الدخول عليك ، فأذن يوسف لإخوته وعرفهم ، ولكنهم لم يعرفوه ، فقد تركوه في الجب ذليلا فريدا ، فأين منه هذا الأمير العزيز الذي يأمر فيطاع ، ويقول فيمتثل الجميع أمره. وأكرم يوسف وفادتهم ، وترك نقودهم داخل التموين الذي أمدّهم به ، وطلب منهم أن يحضروا أخاهم بنيامين معهم في المرة الثانية ، ولما حضر بنيامين مع إخوته استطاع يوسف أن يستبقيه معه ، ثم ذهب الإخوة إلى أبيهم ، فاشتدّ حزنه لفراق يوسف وبعده بنيامين ، وجلس حزينا في محرابه يبكي أشد البكاء ، ويقول كما أخبرنا القرآن الكريم (يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ) [الآية ٨٤].
ثم قال الأب لأبنائه ، إني أحس في قرارة نفسي بوجود يوسف على قيد الحياة ، فاذهبوا إلى مصر وتحسّسوا من يوسف وأخيه ، ولا تيأسوا من فضل الله ورحمته ؛ ودخل الإخوة على يوسف ، وقد اشتدّ بهم الضرّ والحاجة ، فطلبوا من يوسف أن يرفق بهم ، وأن يتصدّق عليهم ، وهنا فاض قلب يوسف حنانا وعطفا على إخوته ، وسألهم عمّا فعلوه بيوسف في زمان جهلهم ، فقالوا إنك لأنت يوسف ، قال أنا يوسف وهذا أخي بنيامين :
(قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (٩٠).
لقد اتقى يوسف ربّه ، وصبر عن الفحشاء ، وتحمّل السجن في طاعة الله ، فلم يضع أجره ، وجعله الله على خزائن الأرض ، عزيزا كريما ، فالله يتولى الصالحين.
وصفح يوسف عن إخوته وقال لهم :
(اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ) (٩٣).