فيمنعون ما يوعدون به من ذلك ، وأمره أن يجيبهم بأنهم يخبرونه بشفعاء لا يعلمها في السماوات ولا في الأرض ؛ وذكر أن الناس كانوا أمة واحدة على التوحيد ، فاختلفوا فيه بعد اتفاقهم (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (١٩).
ثم ذكر شبهتهم الثالثة على تنزيل القرآن ، وهي طلبهم آية عذاب تدل على تنزيله ، ثم أمره أن يجيبهم بأن هذا من الغيب الذي لا يعلمه إلّا هو ، وأمرهم أن ينتظروه لأنه ينتظره ولا يشك في وقوعه ؛ ثم ذكر أنه إذا آتاهم بآية عذاب ، ثم أذاقهم رحمة بعدها ، مكروا فيها ولم يؤمنوا بها ، فهكذا يكون حالهم إذا أجيبوا إلى ما طلبوه منها ، وهدّدهم على ذلك بأنه أسرع مكرا منهم. وبأن رسله يكتبون ما يمكرون ليحاسبهم عليه ؛ ثم ضرب لهم مثلا على مكرهم في هذا ، فذكر أنه هو الذي يسيّرهم في البر والبحر ، حتّى إذا كانوا في الفلك ، وجرت بريح طيّبة ، وفرحوا بها ، جاءتها ريح عاصف ، وجاءهم الموج من كل مكان ، وظنّوا أنهم أحيط بهم دعوه مخلصين (لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (٢٢) فلما أنجاهم عادوا إلى بغيهم ونسوا دعاءهم له ؛ ثم ذكر أن بغيهم لا يعود إلا على أنفسهم ، وأنهم يتمتعون به في هذه الحياة ثم إليه مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون ، ثم ضرب لهم مثلا في شأن هذه الدنيا التي يبغون فيها وينسون الآخرة معها ؛ فذكر أن مثلها كماء أنزله من السماء فاختلط به نبات الأرض ، حتى إذا أخذت به زخرفها (وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها) [الآية ٢٤] ، أتاها أمره ليلا أو نهارا فجعلها حصيدا كأن لم تكن بالأمس ؛ ثم ذكر أنه يدعو إلى دار السلام التي لا يزول نعيمها كما يزول نعيم الدنيا ، وأنه يهدي من يشاء إلى طريق يوصل إليها ، وأن للذين أحسنوا في دنياهم الحسنى في تلك الدار وزيادة ، والذين كسبوا السيئات جزاؤهم سيئة فيها بمثل سيئاتهم ؛ ثم أمره أن يذكر لهم يوم يحشرهم جميعا ، ثم يأمرهم أن يلزموا مكانهم هم وشركاؤهم ، فيقطع بينهم ويتبرأ شركاؤهم من عبادتهم ، ويشهدون الله على أنهم كانوا عنها غافلين ؛ ثم ذكر أنه هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت ، ويردّون إليه وحده ، ويضل عنهم آلهتهم.