يوسف جاءوا إليه يبتاعون ميرة لأهلهم ، فعرفهم ولم يعرفوه ، ولمّا جهّزهم بجهازهم ، سألهم أن يأتوه بأخ لهم من أبيهم ، وأخبرهم بأنهم إن لم يأتوه به لم يعطهم شيئا ، فأخبروه بأنهم سيراودون عنه أباه ، لعلّه يرسله معهم ، ثم أمر يوسف فتيانه ، أن يجعلوا بضاعتهم التي ابتاعوا الميرة بها في رحالهم ، ليعرفوها إذا انقلبوا الى أهلهم ، فيرجعوا إليه ثانية ، فلمّا رجعوا إلى أبيهم ، أخبروه بأنهم لا يعطون شيئا ، إذا لم يرسل معهم أخاهم بنيامين ، وطلبوا منه أن يرسله معهم ، وتعهدوا له بحفظه ؛ فأجابهم بأنهم قد تعهدوا قبل ذلك بحفظ يوسف ، ولم يحفظوه ، وذكر لهم أن الله خير حافظ وهو أرحم الراحمين ، ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردّت إليهم ، فأخبروا أباهم بذلك ، وأنهم إذا ذهبوا ثانيا يميرون أهلهم ويحفظون أخاهم ، ويزدادون كيل بعير له ، فطلب منهم أن يؤتوه موثقا من الله ليأتنّه به ، فلما آتوه موثقهم ، أرسله معهم ، وأشهد الله عليهم ؛ ثم ذكر سبحانه أنهم لما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه بنيامين ، وعرّفه أنه أخوه ، ونهاه أن يبتئس بما كانوا يفعلون ؛ فلمّا جهّزهم بجهازهم جعل صواع الملك في رحل بنيامين ، ثم أمهلهم حتى انطلقوا ، فأرسل وراءهم رسولا اتهمهم بأنهم سرقوا صواع الملك ، فرجعوا إلى يوسف وأصحابه ، وأقسموا بالله أنهم ما جاءوا ليفسدوا في الأرض ، وما كانوا سارقين ؛ فسألوهم عن جزائه إن ظهر أنه منهم ، فأجابوهم بأن جزاءه استرقاق من وجد في رحله ، وكان هذا هو حكم السارق في شريعة ملك مصر ، وقد فعل يوسف ذلك ليأخذ أخاه منهم ؛ ففتّش أوعيتهم حتى وجد الصواع في وعاء أخيه ، فحكم باسترقاقه ، وأخذه منهم.
ثم ذكر تعالى ، أنهم أخبروا يوسف بأنّ لأخيهم أبا شيخا كبيرا ، وسألوه أن يأخذ أحدهم مكانه ، فأبى أن يأخذ إلّا من وجد الصواع عنده ، فلمّا يئسوا منه ، تناجوا في أمرهم ، وما يقولونه لأبيهم ، فذكر كبيرهم أنه لن يبرح أرض مصر حتى يأذن له أبوه ، أو يمكّنه الله من خلاص أخيه ، وأمرهم أن يرجعوا إلى أبيهم ، ويخبروه بما فعله ، بنيامين ؛ فلما رجعوا إليه ، وأخبروه بذلك لم يصدقهم ، واتهمهم بأنه دبّروا له أمرا ، كما دبّروا لأخيه من