أعصرت السّحابة. وفيه وجهان : إمّا أن يضمّن أعصرت معنى مطرت ، فيعدّى تعديته ، وإما أن يقال : الأصل أعصرت عليهم ، فحذف الجارّ ، وأوصل الفعل.
أقول : وبين قوله تعالى : (يُغاثُ) ، وقوله : (يَعْصِرُونَ) على الوجهين حسن مناسبة فيها إصابة للمعنى.
٢٢ ـ وقال تعالى : (الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُ) [الآية ٥١].
وقوله تعالى : (حَصْحَصَ الْحَقُ) أي : ثبت واستقرّ.
٢٣ ـ وقال تعالى : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي) [الآية ٥٣].
قالوا في قوله تعالى : (إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي) ، إلّا البعض الذي رحمه ربّي بالعصمة ، كالملائكة.
ويجوز أن يكون «ما رحم» في معنى الزمن ، أي : إلّا وقت رحمة ربي ، يعني أن النفس أمّارة بالسوء في كل وقت وأوان.
أقول : وهذا الوجه الأخير حسن ، وهو أن يثبت أنه قد يلمح إلى وجه من وجوه استعمال «ما» ، هذا الوجه المبهم الذي يفيد الزمن.
٢٤ ـ وقال تعالى : (إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ) (٥٤).
وقوله تعالى : (مَكِينٌ) أي : ذو مكانة.
وهذه من باب الاشتقاق من الاسم ، فكلمة «مكان» هي الأصل الذي جاء منه هذا الوصف ، وجاء منه جميع ما يتصل بهذه الكلمة من فعل واسم مثل : مكن ، ويمكن ، وأمكن ، وإمكان ، ومكنة ، ومكّن ، وتمكين وغير ذلك.
أقول : إن «المكان» أصل في جميع ما يتصل بهذه المادة ، لمنزلة «المكان» في العربية فكرا ، وواقعا ، وسلوكا.
ومن المفيد أن نشير إلى أن «المكان» جاء من «الكون» ، بمعنى الوجود والهيئة ، ولمنزلته التي أخذها في تفكير العرب ، صار أصلا لحاجات كثيرة.
٢٥ ـ وقال تعالى : (وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ) [الآية ٥٩].
أقول : أراد الجهاز عدّة السفر من الزاد ، وما يحتاج إليه المسافرون من الميرة. والجهاز بهذا المعنى غير معروف في العربية الفصيحة المعاصرة ، ولكن شيئا منه معروف في عامية