في موارد استعمالها ، وهي الملك والاستحقاق ، ويقال الاختصاص ، فقولهم : لا شريك لك يكون عامّا أيضا ، عند من يجوّز حمل المشترك على مفهومه في حالة واحدة ، فيكون الاستثناء أيضا حقيقيا كما مر ؛ وأما على قول من لا يجوّز ذلك يكون النفي واردا على أحد مفهوماته ، وهو علاقة الشركة ، فيكون الاستثناء بعده مجازيّا من باب تأكيد المدح بما يشبه الذم ، وهو نوع من أنواع البلاغة مذكور في علم البيان ، وشاهده قول الشاعر :
ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم |
|
بهنّ فلول من قراع الكتائب |
معناه : إن كان هذا عيبا ففيهم عيب ، وهذا ليس بعيب فلا يكون فيهم عيب ، فكذا هنا معناه : إن كان الشريك المملوك لك ، يصلح شريكا فلك شريك ، وهو لا يصلح شريكا لك ، فلا يكون لك شريك ، لأن كلّ ما يدعي أنه شريك لك ، فهو مملوك لك ، وهذا المعنى هو المراد بقوله تعالى (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ) [الروم / ٢٨]. قلنا : على الوجه الأول إنه ليس بصحيح ، لأنه لو جعلنا اللام حقيقة في المعنى العام وهو الاختصاص ، يلزم منه الكفر حيث وجد نفي الشريك من غير استثناء ، لأنه يلزم منه نفي ملكه تعالى ، شريك زيد وعمر ونحوهما ، وهو كفر ، واللازم منتف ، لأنه إيمان محض بلا خلاف.
فإن قيل : إنّما لم يكن كفرا مع عمومه ، لأن الحقيقة العرفية عند عدم الاستثناء ، نفي كل شريك يضاف إلى الله تعالى بعلاقة الشريك ، لا نفي كل شريك ، يضاف إليه بجهة ما ، فصارت الحقيقة اللغوية مهجورة بالحقيقة العرفية ، عند عدم الاستثناء ، والجواب عن أصل السؤال ، أنه سؤال حسن محقق ، وأن هذه التلبية توحيد محض على التقديرين ، فإن صح النقل أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عنها ، فإنما نهى عنها لأنها توهم إثبات الشريك ، لمقتضى الاستثناء عند قاصري النظر ، وهم عوام الناس ، فلهذه المفسدة نهى عنها.