الكافرين ، والصفات المميزة لهؤلاء وهؤلاء ، ثم يتلوها مشهد من مشاهد القيامة ، وما فيها من نعيم للأولين وعذاب للآخرين. ويعقب ذلك لمسة في بسط الرزق وتقديره ، وردّ ذلك الى الله سبحانه ، فجولة مع القلوب المؤمنة المطمئنة بذكر الله ، فوصف لهذا القرآن الذي يكاد يسير الجبال ، وتقطّع به الأرض ويكلّم به الموتى ؛ فلمسة بما يصيب الكفار من قوارع تنزل بهم ، أو تحل قريبا من دارهم ، فجدل تهكّمي حول الآلهة المدّعاة ، فلمسة عن مصارع الغابرين ، ونقص أطراف الأرض منهم حينا بعد حين ؛ يختم هذا كله ، بتهديد الذين يكذّبون برسالة الرسول (ص) بتركهم للمصير المعلوم.
من ذلك نرى أن الإيقاعات والمطارق المتوالية في شطر السورة الأول ، تحضّر المشاعر وتهيّئها لمواجهة القضايا والمسائل في شطرها الثاني وهي على استعداد وتفتّح لتلقّيها ؛ وإنّ شطري السورة متكاملان ، وكلّ منهما يوقع على الحس طرقاته وإيحاءاته ، لهدف واحد وقضية واحدة ، هي الإيمان عن يقين كامل وأدلة مقنعة ، يطمئن لها القلب وتسكن إليها النفس. قال تعالى :
(الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (٢٨).
فقلب الكافر في ضلال ، وقلب الجاحد مضطرب هواء ، وقلب المؤمن يطمئنّ لصلته بالله ، والأنس بجواره ، والأمن في جانبه وحماه ، يطمئن من قلق الوحدة وحيرة الطريق بإدراك الحكمة في الخلق والمبدأ والمصير ، ويطمئنّ بالشعور بالحماية من كل اعتداء ومن كل ضرّ ومن كل شرّ إلّا بما يشاء الله ، مع الرّضا بالابتلاء والصبر على البلاء ؛ ويطمئنّ برحمة الله في الهداية والرزق والستر في الدنيا والآخرة.
وليس أشقى على وجه الأرض ممّن يحرمون طمأنينة الأنس الى الله. ليس أشقى ممّن يعيش لا يدري لم جاء ، ولم يذهب ، ولم يعاني في الحياة؟ ليس أشقى في الحياة ، ممّن يشقّ طريقه فريدا وحيدا شاردا في فلاة ، عليه أن يكافح وحده بلا ناصر ولا هاد ولا معين.
وإن هناك شدائد في الحياة ، لا يصمد لها بشر ، إلّا أن يكون مرتكنا الى الله ، مطمئنّا الى حماه ، مهما أوتي