بما اختاره لهم من آياته ؛ ثم انتقل السّياق من إثبات علمه تعالى إلى إثبات قدرته على ما يقترحونه من تلك الآيات ، فذكر أنه جلّ شأنه هو الذي يريهم البرق خوفا وطمعا وينشئ السحاب الثقال ، وأنه يسبّح الرعد بحمده ، والملائكة من خيفته ، ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء ؛ ثم ذكر أنهم يجادلون في وحدانيته سبحانه وهو شديد المحال ، وهو الذي إذا دعي أجاب (لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِ) [الآية ١٤] وشركاؤهم لا يستجيبون لهم بشيء ، إلا كباسط كفّيه الى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه ، لأنه لا يمكنه أن يستجيب له ؛ ثم ذكر تعالى أن له يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها ، وأمر النبي (ص) أن يسألهم (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [الآية ١٦] وأن يجيب عن سؤاله بأنه الله لأنه لا ربّ لها غيره ، وأن ينكر منهم مع هذا أن يتّخذوا من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرّا ، وأن يذكر لهم أنه لا يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات والنور ، ثم أمره أن يسألهم : (أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ) [الآية ١٦] وأمر النبي (ص) أن يجيب عنه بأنه خالق كل شيء وهو الواحد القهّار ؛ ثم ضرب مثلا لحقّه وباطلهم بعد تلك الأمثال ، شبّه فيه حالهما بحال ماء أنزله من السماء فسالت به أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ، وبحال ذهب أو قد عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع فاحتمل زبدا أيضا ، فما يبقى تحت الزبد من الماء والذهب الخالص مثل للحقّ ، والزبد مثل للباطل ؛ فأما الزبد فيذهب ويفنى وكذلك الباطل ، وأما الماء والذهب الخالص فيبقى كل منهما لينتفع منهما الناس به ، وكذلك الحقّ.
ثم وعد أهل الحق الذين استجابوا له بأن لهم الحسنى ، وأوعد أهل الباطل الذين لم يستجيبوا له بأن لهم سوء الحساب ، ومأواهم جهنم وبئس المهاد ، ثم ذكر أنه لا يمكن أن يسوّى بين الفريقين في ذلك ، وانه لا يتذكّر هذا إلّا أولو الألباب ، وهم الذين يوفون بعهده ولا ينقضون ميثاقهم ، ويصلون ما أمر به أن يوصل ، ويخشونه ويخافون سوء حسابهم ، ويصبرون ابتغاء وجهه ، ويقيمون الصلاة ، وينفقون ممّا رزقهم سرّا وعلانية ، ويدرءون بالحسنة السيئة. ثم وعدهم بأن لهم عقبى الدار ، جنات