بضربها تسييرها في البلاد ، وإدارتها على ألسنة الناس. من قولهم : ضرب فلان في الأرض. إذا توغّل فيها وأبعد في أقاصيها. ويقوم قوله تعالى : (يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ) (١٧) مقام قوله ضرب بها في البلاد.
والمعنى الآخر في ضرب المثل ، أن يكون المراد به نصبه للنّاس بالشهرة ، لتستدل عليه خواطرهم ، كما تستدل على الشيء المنصوب نواظرهم. وذلك مأخوذ من قولهم : ضربت الخباء ؛ إذا نصبته ، وأثبت طنبه (١) ، وأقمت عمده ، ويكون قوله سبحانه : (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ) [الآية ١٧]. الى هذا الوجه. أي ينصب منارهما ، ويوضح أعلامهما ، ليعرف المكلّفون الحق بعلاماته فيقصدوه ، ويعرفوا الباطل فيجتنبوه.
وقوله سبحانه : (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) [الآية ٣٣] وهذه استعارة. والمراد به أنه تعالى محص على كل نفس ما كسبت ، ليجازيها به. وشاهد ذلك قوله سبحانه : (وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً) [آل عمران / ٧٥]. أي ما دمت له مطالبا ، ولأمره مراعيا ، لا تمهله للحيلة ، ولا تنظره للغيلة (٢).
وإذا لم يصح إطلاق صفة القيام على الله سبحانه حقيقة ، فإن المراد بها قيام إحصائه على كل نفس بما كسبت ، ليطالبها به ، ويجازيها عنه بحسبه. والقيام والدوام هاهنا بمعنى واحد. والماء الدائم هو القائم الذي لا يجري.
وقوله سبحانه : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها) [الآية ٤١]. وهذه استعارة. وقد اختلف الناس في المراد بها ، فقال قوم : معنى ذلك نقصان أرض المشركين ، بفتحها على المسلمين. وقال آخرون : المراد بنقصانها موت أهلها ، وقيل موت علمائها.
وعندي في ذلك قول آخر ، وهو أن يكون المراد بنقص الأرض ، والله
__________________
(١). الطّنّب : حبل طويل يشد به سرادق البيت. والجمع أطناب.
(٢). الغيلة بكسر الغين : الخديعة والاحتيال.