وتتفتح لها بصائرهم ، يصبرون على البأساء ويشكرون على النعماء.
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) (٥).
ويتمثل الصبر والشكر في شخص إبراهيم (ع) حين يقف خاشعا ، ويدعو ربه عند البيت الحرام ، دعاء مخلصا ، كله حمد وشكر ، وصبر وإيمان :
(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (٣٥) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٦) رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (٣٧) رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ وَما يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (٣٨) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ (٣٩) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ (٤٠) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ) (٤١).
ولأن النعمة والشكر عليها والكفر بها ، تطبع جو السورة ؛ فإن التعبيرات والتعليقات تجيء فيها متناسقة مع هذا الجو ، في قوله تعالى :
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) (٥).
وقوله سبحانه :
(اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ) [الآية ٦].
وفي ردّ الأنبياء على اعتراض المكذّبين بأنهم بشر ، يجيء قوله سبحانه :
(وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) [الآية ١١].
فيبرز منة الله ، تنسيقا للرد مع جوّ السورة كله ، جو النعمة والمنّة والشكر والكفران ؛ وهكذا يتساوق التعبير اللفظي مع الفكرة العامة للسورة ، على طريقة التناسق الفني في القرآن.
* * *