ويدل عليه قوله تعالى : (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ) [آل عمران / ٢٦] فإذا مات الخلائق كلّهم سلمت الأملاك كلّها لله تعالى عن ذلك القدر من التعلّق ، فبهذا الاعتبار كانت الوراثة ، ونظير هذا قوله تعالى : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) [غافر / ١٦] والملك له سبحانه أزلا وأبدا.
فإن قيل : قوله تعالى (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) (٣٠) دلّ على الشمول والاحاطة وأفاد التوكيد ، فما الحكمة في قوله سبحانه : (كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) (٣٠).
قلنا : قال سيبويه والخليل : هو توكيد بعد توكيد ، فيفيد زيادة تمكين المعنى وتقريره في الذهن ، ولا يكون تحصيل الحاصل بل تكون نسبة «أجمعون» كنسبة «كلّهم» إلى أصل الجملة. وقال المبرد : قوله تعالى : (أَجْمَعُونَ) يدل على اجتماعهم في زمان السجود ، وكلهم يدل على حصول السجود من الكلّ ، فكأنه قال : فسجد الملائكة كلّهم معا في زمان واحد. واختار ابن الأنباري هذا القول ، واختار الزجّاج وأكثر الأئمة قول سيبويه ، وقالوا : لو كان الأمر كما زعم المبرّد لكان «أجمعون» حالا لوجود حدّ الحال فيه ؛ وليس بحال لأنه مرفوع ، ولأنه معرفة ، كسائر ألفاظ التوكيد.
فإن قيل : ما وجه ارتباط قوله تعالى (وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ) (٥١) بما قبله من قوله تعالى : (نَبِّئْ عِبادِي) [الآية ٤٩]؟
قلنا : لمّا أنزل الله عزوجل (نَبِّئْ عِبادِي) ولم يعيّن أهل المغفرة وأهل العذاب ، غلب الخوف على الصحابة رضي الله عنهم ، فأنزل الله تعالى بعد ذلك قصّة ضيف إبراهيم (ع) ليزول خوف الصحابة وتسكن قلوبهم ؛ فإنّ ضيف إبراهيم عليهالسلام جاءوا ببشارة للولي وهو ابراهيم ، وبعقوبة للعدوّ ، وهم قوم لوط (ع) وكذلك تنزل الآيتان المتقدّمتان على الولي والعدو لا على الولي وحده. ووجه الارتباط كذلك ، أنّ العبد ، وإن كان كثير الذنوب والخطايا ، غير طامع في المغفرة ، فانه لا يبعد أن يغفر الله تعالى له على يأسه ، كما رزق إبراهيم الولد على يأسه ، بعد ما شاخ وبلغ مائة سنة أو قريبا منها.
فإن قيل : لم قال تعالى على لسان