الحصيد من صفة النبات ، لا من صفة الأرض. والمعنى : فجعلنا نباتها كذلك. فاكتفى بذكر الأرض من ذكر النبات لأن النبات فيها ، ومنشأه منها.
وقوله سبحانه : (كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً) [الآية ٢٧]. وهذه استعارة. لأن الليل على الحقيقة لا يوصف بأن له قطعا متفرقة ، وأجزاء متنصفة. وإنما المراد ، والله أعلم ، أن الليل لو كان ممّا يتبعّض وينفصل ، لأشبه سواد وجوههم أبعاضه وقطعه. ونصب سبحانه (مُظْلِماً) على أنه حال من الليل. وفيه زيادة معنى. لأن الليل قد سمّي ليلا وإن كان مقمرا ، فإنما قال سبحانه : مظلما ، على أنّ التشبيه إنما وقع به أسود ما يكون جلبابا ، وأبهم أثوابا.
وقوله سبحانه : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً) [الآية ٦٧] وهذه استعارة عجيبة. وقد أومأنا الى نظيرها فيما تقدم. وذلك أنه سبحانه ، إنما سمّى النهار مبصرا ، لأن الناس يبصرون فيه ، فكأن ذلك صفة الشيء بما هو سبب له ، على طريق المبالغة. كما قالوا : ليل أعمى وليلة عمياء. إذا لم يبصر الناس فيها شيئا لشدة إظلامها.
وقوله تعالى : (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً) [الآية ٧١]. (فَأَجْمِعُوا) من الإجماع. وهذه استعارة. والمعنى اشتوروا في أمركم ، وأجمعوا له بالكم ، وبالغوا في قدح الرأي بينكم ، حتى لا يكون أمركم غمة عليكم (١). أي مغطّى تغطية حيرة ، ومبهما إبهام جهالة ، فيكون عليكم كالغمّة العمياء ، والطخية (٢) الظلماء. وذلك مأخوذ من قولهم : غمّ الهلال. إذا تغطى ببعض الموانع التي تمنع من رؤيته. ثم افعلوا بي ما أنتم فاعلون.
وهذه حكاية لقول نوح عليهالسلام لقومه. ويخرج الكلام منه على الاستقلال لكيدهم ، وقلة الحفل باستجماعهم واحتشادهم.
وقوله سبحانه : (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ) [الآية ٨٨].
__________________
(١). ومنه قول الشاعر الجاهلي طرفة :
لعمرك ما أمري عليّ بغمّة |
|
نهاري ، ولا ليلي عليّ بسرمد |
(٢). الطّخية : الظلمة.