وأما ثمود ، فكانت قبيلة تسكن مدائن الحجر ـ بين تبوك والمدينة ـ وبلغت كل منهما في زمانها أقصى القوة والمنعة والرزق والمتاع. ولكن هؤلاء وهؤلاء كانوا ممّن حقت عليهم كلمة الله ، بما عتوا عن أمر الله واختاروا الوثنية على التوحيد ، وكذّبوا الرسل شرّ تكذيب ، وفي قصّتهم هنا ، مصداق ما في مطلع السورة من بشارة للمؤمنين ، وإنذار للكافرين.
* * *
وقد ذكرت قصة هود في سورة الأعراف من الآية ٦٥ إلى الآية ٧٢ ، وفي سورة الشعراء من الآية ١٢٣ إلى الآية ١٤٠ ، ثم ذكرت هنا في سورة هود من الآية ٥٠ الى الآية ٦٠.
وقد نتساءل : لما ذا سمّيت هذه السورة بسورة هود ، مع أنها اشتملت على عدد كبير من قصص الأنبياء ، منهم نوح وهود وصالح وابراهيم ولوط وموسى عليهمالسلام ، والجواب أن قوم هود (ع) قد حباهم الله سبحانه ، نعما وافرة وخيرات جليلة ، وأرسل السماء عليهم بالمطر ، فزرعوا الأرض وأنشأوا البساتين ، وشادوا القصور ، ومنحهم الله فوق ذلك بسطة في أجسامهم وقوّة في أبدانهم. وكان الواجب عليهم أن يفكّروا بعقولهم وأن يشكروا الله على هذه النّعم ، ولكنهم لم يفعلوا ذلك بل اتّخذوا أصناما يعبدونها من دون الله ، ثم عثوا في الأرض فسادا وظلما وعدوانا. ولما جاءهم هود يدعوهم إلى الله ، ويأمرهم بتقواه وطاعته ، ويحذّرهم من البغي والعدوان ، لم يصيخوا لدعوته ، ولم يؤمنوا برسالته.
وإذا كانت السورة تسمّى بأغرب شيء فيها ، فإن الغرابة في قصة هود هي أن قومه «عادا» كانوا أكثر فضلا ونعمة ، ولكنهم قابلوا هذه النعمة بالجحود والكنود.
وتذكر الآيات معارضتهم لهود وإنكارهم عليه ، واعتقادهم أن آلهتهم أنزلوا به الجنون والاضطراب ، فيتبرّأ هود من آلهتهم ويتحدّاهم ، ويستنهض همتهم في أقصى ما يستطيعون من قوى الكيد ، وأنه لن يعبأ بهم ولا بجمعهم ، قال هود ، كما ورد في التنزيل :
(إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها) [الآية ٥٦].
وهي صورة محسوسة للقوة الإلهية. فالناصية أعلى الجبهة ، والله تعالى