أن لفظة «في» أعم وأشمل ، لأنها تتناول كل دابة على وجه الأرض ، وكل دابة في باطن الأرض ، بخلاف على.
فإن قيل : لم خصّ الدابة بذكر ضمان الرزق ، والطير كذلك رزقه على الله تعالى ، وهو غير الدابة بدليل قوله تعالى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) [الأنعام / ٣٨].
قلنا : إنّما خص الدابة بالذكر ، لأن الدواب أكثر من الطيور عددا ، وفيها ما هو أكبر جثة من كل فرد من أفراد الطير ، كالفيل والحوت ، فيكون أحوج الى الرزق ، فلذلك خصّه بالذكر.
فإن قيل : لم قال الله تعالى : (إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها) [الآية ٦] و «على» للوجوب ، والله تعالى لا يجب عليه شيء وإنما يرزقها تفضّلا منه وكرما.
قلنا : «على» هنا بمعنى «من» ، كما في قوله تعالى (الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ) (٢) [المطفّفين]. الثاني : أنه ذكره بصيغة الوجوب ، ليحصل للعبد زيادة سكون وطمأنينة في حصوله.
فإن قيل : لم قال تعالى : (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) [الملك / ٢] والخطاب عامّ للمؤمنين والكافرين ، فإنه امتحن الفريقين بالأمر بالطاعة والنهي عن المعصية ، وأعمال المؤمنين هي التي تتفاوت الى أحسن وأحسن ، فأما أعمال الفريقين فتفاوتها الى حسن وقبيح.
قلنا : قوله تعالى : (لِيَبْلُوَكُمْ) عامّ ، أريد به الخاص ، وهم المؤمنون تشريفا لهم وتخصيصا ، فصحّ قوله سبحانه : (أَحْسَنُ عَمَلاً).
فإن قيل : لم قال تعالى : (وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ) [الآية ١٢] ولم يقل و «ضيّق»؟
قلنا : ليدل على أن ضيقه عارض غير ثابت ، لأن النبي (ص) كان أفسح الناس صدرا ، ونظيره قولك : زيد سائد وجائد ، فإذا أردت وصفه بالسيادة والجود الثابتين المستقرين قلت زيد سيّد وجواد ، كذا قال الزمخشري.
فإن قيل : قال تعالى : (فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ) [الآية ١٣] أمرهم بالإتيان بمثله وما يأتون به لا يكون مثله ، لأن ما يأتون به مفترى ، والقرآن ليس بمفترى.