سوق الخيل وأعناقها بالسيف لأنها شغلته عن صلاة العصر.
قال الجمل : (فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ) أى : جعل يضرب سوقها وأعناقها بالسيف. هذا قول ابن عباس وأكثر المفسرين (١).
ولم يرتض الإمام الرازي ـ رحمهالله ـ هذا التفسير الذي عليه أكثر المفسرين ، وإنما ارتضى أن الضمير في (تَوارَتْ) يعود إلى الصافنات الجياد وأن المقصود بقوله ـ تعالى ـ : (فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ) الإعجاب بها والمسح عليها بيده حبّا لها ..
فقد قال ما ملخصه : إن رباط الخيل كان مندوبا إليه في دينهم ، كما أنه كذلك في دين الإسلام ، ثم إن سليمان ـ عليهالسلام ـ احتاج إلى الغزو. فجلس وأمر بإحضار الخيل وأمر بإجرائها. وذكر أنى لا أحبها لأجل الدنيا وإنما أحبها لأمر الله ، وطلب تقوية دينه. وهو المراد من قوله : (عَنْ ذِكْرِ رَبِّي). ثم إنه ـ عليهالسلام ـ أمر بإعدائها وتسييرها حتى توارت بالحجاب أى : غابت عن بصره.
ثم أمر الرائضين بأن يردوا تلك الخيل إليه ، فلما عادت طفق يمسح سوقها وأعناقها.
والغرض من ذلك : التشريف لها لكونها من أعظم الأعوان في دفع العدو ... وإظهار أنه خبير بأحوال الخيل وأمراضها وعيوبها فكان يمتحنها ويمسح سوقها وأعناقها ، حتى يعلم هل فيها ما يدل على المرض .. (٢).
وقال بعض العلماء نقلا عن ابن حزم : تأويل الآية على أنه قتل الخيل إذ اشتغل بها عن الصلاة ، خرافة موضوعة .. قد جمعت أفانين من القول ؛ لأن فيها معاقبة خيل لا ذنب لها والتمثيل بها. وإتلاف مال منتفع به بلا معنى. ونسبة تضييع الصلاة إلى نبي مرسل. ثم يعاقب الخيل على ذنبه لا على ذنبها ..
وإنما معنى الآية أنه أخبر أنه أحب حب الخير ، من أجل ذكر ربه حتى توارت الشمس أو تلك الصافنات بحجابها.
ثم أمر بردها. فطفق مسحا بسوقها وأعناقها بيده ، برابها ، وإكراما لها ، هذا هو ظاهر الآية الذي لا يحتمل غيره ، وليس فيها إشارة أصلا إلى ما ذكروه من قتل الخيل ، وتعطيل الصلاة .. (٣).
__________________
(١) راجع حاشية الجمل على الجلالين ج ٣ ص ٥٧٣ وغيرها من كتب التفسير.
(٢) راجع تفسير الفخر الرازي ج ٧ ص ١٩٢ فقد أفاض وأجاد في تفسيره للآيات.
(٣) راجع تفسير القاسمى ج ١٤ ص ٥١٠١.