والحق أن ما ذهب إليه كثير من المفسرين من أن سليمان ـ عليهالسلام ـ شغل باستعراض الخيل عن صلاة العصر ، وأنه أمر بضرب سوقها وأعناقها .. لا دليل عليه لا من النقل الصحيح ولا من العقل السليم ..
وأن التفسير المقبول للآية هو ما ذكره الإمام الرازي والإمام ابن حزم ، وما سبق أن ذكرناه من أن المقصود بقوله ـ تعالى ـ : (فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ) إنما هو تكريمها ..
وأن الضمير في قوله : (حَتَّى تَوارَتْ) يعود إلى الصافنات لأنه أقرب مذكور.
ثم تحدثت الآيات الكريمة بعد ذلك عن فتنة سليمان ـ عليهالسلام ـ فقال ـ تعالى ـ : (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ ..).
وقوله : (فَتَنَّا) من الفتن بمعنى الابتلاء والاختبار والامتحان. تقول : فتنت الذهب بالنار ، أى : اختبرته لتعلم جودته ..
قال الآلوسى : وأظهر ما قيل في فتنة سليمان ـ عليهالسلام ـ أنه قال : لأطوفن الليلة على سبعين امرأة. تأتى كل واحدة بفارس يجاهد في سبيل الله ـ تعالى ـ ولم يقل إن شاء الله. فطاف عليهن فلم تحمل إلا امرأة وجاءت بشق رجل.
وقد روى ذلك الشيخان وغيرهما عن أبى هريرة مرفوعا ، وفيه : «فو الذي نفس محمد بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا فرسانا».
ولكن الذي في صحيح البخاري أربعين بدل سبعين. وأن الملك قال له : قل إن شاء الله ، فلم يقل ـ أى فلم يقل ذلك على سبيل النسيان ..
والمراد بالجسد ذلك الشق الذي ولدته له. ومعنى إلقائه على كرسيه : وضع القابلة له عليه ليراه (١).
وقد ذكروا أن سليمان : إنما قال : «تحمل كل امرأة فارسا يجاهد في سبيل الله» على سبيل التمني للخير ، وطلب الذرية الصالحة المجاهدة في سبيل الله.
ومعنى «فلم يقل» أى : بلسانه على سبيل النسيان ، والنسيان معفو عنه ، إلا أن سليمان ـ عليهالسلام ـ لسمو منزلته اعتبر ذلك ذنبا يستحق الاستغفار منه ، فقال بعد ذلك «رب اغفر لي ...».
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٣ ص ١٩٨.