ذلك الشيطان على كرسي سليمان ، ولم يعد لسليمان ملكه إلا بعد أن عثر على خاتمه.
وقول بعضهم : إن سبب فتنة سليمان ـ عليهالسلام ـ هو سجود إحدى زوجاته لتمثال أبيها الذي قتله سليمان في إحدى الحروب ، وقد بقيت على هذه الحال هي وجواريها أربعين ليلة ، دون أن تعلم سليمان بذلك.
وقول بعضهم : إن سبب فتنة سليمان أنه ولد له ولد فخاف عليه من الشياطين ، فأمر السحاب بحفظه وتغذيته. ولكن هذا الولد وقع ميتا على كرسي سليمان ، فاستغفر سليمان ربه لأنه لم يعتمد عليه في حفظ ابنه. إلى غير ذلك من الأقوال الساقطة الباطلة ، التي تتنافى مع عصمة الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ. وتتنافى ـ أيضا ـ مع كل عقل سليم ، ولا مستند لها إلا النقل عن الإسرائيليات وعن القصاص الذين يأتون بقصص ما أنزل الله بها من سلطان (١).
قال أبو حيان ـ رحمهالله ـ : نقل المفسرون في هذه الفتنة وفي إلقاء الجسد أقوالا يجب براءة الأنبياء منها ، يوقف عليها في كتبهم ، وهي مما لا يحل نقلها ، وهي إما من أوضاع اليهود ، أو الزنادقة ، ولم يبين الله ـ تعالى ـ الفتنة ما هي ، ولا الجسد الذي ألقاه على كرسي سليمان.
وأقرب ما قيل فيه ، أن المراد بالفتنة كونه لم يستثن في الحديث الذي قال فيه : لأطوفن الليلة على سبعين امرأة .. والجسد الملقى هو المولود شق رجل .. (٢).
وقوله ـ سبحانه ـ : (قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ...) بيان لما قاله سليمان ـ عليهالسلام ـ بعد الابتلاء والاختبار من الله ـ تعالى ـ له.
أى : قال سليمان ـ عليهالسلام ـ يا رب اغفر لي ما فرط منى من ذنوب وزلات ..
(وَهَبْ لِي مُلْكاً) عظيما (لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي) أى : لا يحصل مثله لأحد من الناس من بعدي (إِنَّكَ أَنْتَ) يا إلهى (الْوَهَّابُ) أى : الكثير العطاء لمن تريد عطاءه.
وقدم سليمان ـ عليهالسلام ـ طلب المغفرة على طلب الملك ، للإشارة إلى أنها هي الأهم عنده.
قال الإمام الرازي ـ رحمهالله ـ : دلت هذه الآية على أنه يجب تقديم مهم الدين على مهم الدنيا ، لأن سليمان طلب المغفرة أولا ، ثم بعدها طلب المملكة ، وأيضا الآية تدل على أن
__________________
(١) راجع تفسير ابن جرير ج ٢٣ ص ١٠١. والآلوسى ج ٢٣ ص ٢٠٠ وغيرهما.
(٢) راجع تفسير البحر المحيط لأبى حيان ج ٧ ص ٣٩٧.