ثم بين ـ سبحانه ـ بعض النعم الأخرى التي تحملها الأرض لهم فقال : (وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ ، وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ).
والآية الكريمة معطوفة على قوله (أَحْيَيْناها) ، ونخيل : جمع نخل ، كعبيد جمع عبد ، وأعناب : جمع عنب : والعيون ، جمع عين. والمراد بها الآبار التي تسقى بها الزروع.
أى : أحيينا هذه الأرض الميتة بالماء .. وجعلنا فيها ـ بقدرتنا ورحمتنا ـ بساتين كثيرة من نخيل وأعناب ، وفجرنا وشققنا فيها كثيرا من الآبار والعيون التي تسقى بها تلك الزروع والثمار.
وخص النخيل والأعناب بالذكر ، لأنها أشهر الفواكه المعروفة لديهم ، وأنفعها عندهم.
واللام في قوله : (لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ) متعلق بقوله : (وَجَعَلْنا ....).
والضمير في قوله : (مِنْ ثَمَرِهِ) يعود إلى المذكور من الجنات والنخيل والأعناب. أو إلى الله ـ تعالى ـ.
أى : وجعلنا في الأرض ما جعلنا من جنات ومن نخيل ومن أعناب ، ليأكلوا ثمار هذه الأشياء التي جعلناها لهم ، وليشكرونا على هذه النعم.
و «ما» في قوله : (وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ) الظاهر أنها نافية والجملة حالية ، والاستفهام للحض على الشكر.
أى : جعلنا لهم في الأرض جنات من نخيل وأعناب ، ليأكلوا من ثمار ما جعلناه لهم ، وإن هذه الثمار لم تصنعها أيديهم ، وإنما الذي أوجدها وصنعها هو الله ـ تعالى ـ بقدرته ومشيئته.
وما دام الأمر كذلك ، فهلا شكرونا على نعمنا ، وأخلصوا العبادة لنا.
قال ابن كثير : وقوله : (وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ) أى : وما ذاك كله إلا من رحمتنا بهم ، لا بسعيهم ولا كدهم ، ولا بحولهم وقوتهم. قاله ابن عباس وقتادة. ولهذا قال : (أَفَلا يَشْكُرُونَ) أى : فهلا يشكرونه على ما أنعم به عليهم من هذه النعم التي لا تعد ولا تحصى (١).
ويصح أن تكون «ما» هنا موصولة فيكون المعنى : ليأكلوا من ثمره ومن الذي عملته أيديهم من هذه الثمار كالعصير الناتج منها ، وكغرسهم لتلك الأشجار وتعهدها بالسقى وغيره ، إلى أن آتت أكلها.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٥٦١.