قال الشوكانى : وقوله : (وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ) معطوف على ثمره ، أى : ليأكلوا من ثمره ، ويأكلوا مما عملته أيديهم كالعصير والدبس ونحوهما وكذلك ما غرسوه وحفروه على أن «ما» موصولة ، وقيل : هي نافية ، والمعنى : لم يعملوه بأيديهم ، بل العامل له هو الله .. (١).
ثم أثنى ـ سبحانه ـ على ذاته بما هو أهل له من ثناء فقال : (سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ ، وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ ، وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ).
ولفظ : (سُبْحانَ) اسم مصدر منصوب على أنه مفعول مطلق بفعل محذوف ، والتقدير : سبحت الله سبحانا : أى : تسبيحا. بمعنى نزهته تنزيها عن كل سوء ، وعظمته تعظيما.
و «من» في الآية الكريمة للبيان.
أى : ننزه الله ـ تعالى ـ تنزيها عن كل سوء. ونعظمه تعظيما لا نهاية له ، فهو ـ عزوجل ـ (الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها) أى : الأنواع ، والأصناف كلها ذكورا وإناثا.
(مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ) أى : خلق الأصناف كلها التي تنبت في الأرض من حبوب وغيرها.
(وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ) أى : وخلقها من أنفسهم إذ الذكر من الأنثى ، والأنثى من الذكر.
(وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ) أى : وخلق هذه الأصناف كلها من أشياء لا علم لهم بها ، وإنما مرد علمها إليه وحده ـ تعالى ـ كما قال ـ سبحانه ـ (وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ).
فالمقصود من الآية الكريمة بيان لمظهر من مظاهر قدرته ـ تعالى ـ وبديع خلقه ، حيث خلق الأصناف كلها ، نرى بعضها نابتا في الأرض ، ونرى بعضها متمثلا في الإنسان المكون من ذكر وأنثى ، وهناك مخلوقات أخرى لا يعلمها إلا الله ـ تعالى ـ.
وبعد أن بين ـ سبحانه ـ مظاهر قدرته عن طريق التأمل في الأرض التي نعيش عليها ، عقب ذلك ببيان مظاهر قدرته عن طريق التأمل في تقلب الليل والنهار ، وتعاقب الشمس والقمر ، فقال ـ تعالى ـ : (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ. فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ).
وقوله : (نَسْلَخُ) من السلخ بمعنى الكشط والإزالة ، يقال : سلخ فلان جلد الشاة ، إذا أزاله عنها.
والمراد هنا : إزالة ضوء النهار عن الليل ، ليبقى لليل ظلمته.
قال صاحب الكشاف : سلخ جلد الشاة ، إذا كشطه عنها وأزاله. ومنه : سلخ الحية
__________________
(١) تفسير فتح القدير ج ٤ ص ٣٦٨.