لخرشائها ـ أى : لجلدها ـ فاستعير ذلك لإزالة الضوء وكشفه عن مكان الليل ، وملقى ظله (١).
أى : ومن البراهين والعلامات الواضحة ، الدالة على وحدانية الله ، وقدرته على إحياء الموتى ، وجود الليل والنهار بهذه الطريقة التي نشاهدها ، حيث ينزع ـ سبحانه ـ عن الليل النهار ، فيبقى لليل ظلامه ، ويصير الناس في ليل مظلم ، بعد أن كانوا في نهار مضيء.
فمعنى : (فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ) : فإذا هم داخلون في الظلام ، بعد أن كانوا بعيدين عنه. يقال : أظلم القوم. إذا دخلوا في الظلام. وأصبحوا ، إذا دخلوا في وقت الصباح.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها) بيان لدليل آخر على قدرته ـ تعالى ـ وهو معطوف على قوله ـ تعالى ـ قبل ذلك : (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ ...)
قال الآلوسى ما ملخصه : وقوله : (لِمُسْتَقَرٍّ لَها) أى لحد معين تنتهي إليه .. شبه بمستقر المسافر إذا انتهى من سيره ، والمستقر عليه اسم مكان ، واللام بمعنى إلى ..
ويصح أن يكون اسم زمان ، على أنها تجرى إلى وقت لها لا تتعداه ، وعلى هذا فمستقرها : انتهاء سيرها عند انقضاء الدنيا .. (٢).
والمعنى : وآية أخرى لهم على قدرتنا ، وهي أن الشمس تجرى إلى مكان معين لا تتعداه ، وإلى زمن محدد لا تتجاوزه ، وهذا المكان وذلك الزمان ، كلاهما لا يعلمه إلا الله ـ تعالى ـ.
قال بعض العلماء : قوله ـ تعالى ـ : (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها) أى : والشمس تدور حول نفسها ، وكان المظنون أنها ثابتة في موضعها الذي تدور فيه حول نفسها. ولكن عرف أخيرا أنها ليست مستقرة في مكانها ، وإنما هي تجرى فعلا .. تجرى في اتجاه واحد ، في هذا الفضاء الكونى الهائل بسرعة حسبها الفلكيون باثنى عشر ميلا في الثانية.
والله ربها الخبير بجريانها وبمصيرها يقول : إنها تجرى لمستقر لها ، هذا المستقر الذي ستنتهى إليه لا يعلمه إلا هو ـ سبحانه ـ ولا يعلم موعده سواه.
وحين نتصور أن حجم هذه الشمس يبلغ نحو مليون ضعف لحجم أرضنا هذه ، وأن هذه الكتلة الهائلة تتحرك أو تجرى في الفضاء لا يسندها شيء ، حين نتصور ذلك ، ندرك طرفا من صفة القدرة التي تصرف هذا الوجود عن قوة وعن علم (٣).
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ١٦.
(٢) تفسير الآلوسى ج ٢٣ ص ١٢.
(٣) تفسير في ظلال القرآن ج ٢٣ ص ٢٥.